12 Sept 2007

كتاب جديد: تاريخ ضائع


مع دخولنا القرن الواحد والعشرين نسى العالم أو تناسى، أن الحضارة الأوروبية التى تتميز بالتكنولوجيا الحديثة، قامت فى الأصل على الحضارة الإسلامية التى سادت قبل ألف عام. ونسى العالم، أو تناسى، أن العلماء المسلمين فى ذلك العهد هم الذين اكتشفوا علوم الجبر، وان الأطباء المسلمين هم الذين توصلوا الى علاج أمراض عديدة مثل الربو أو أمراض العيون، وان المسلمين المخترعين هم الذين صمموا الأشكال الأولى للمظلات والطوربيد، وان علماء الفلك المسلمين هم الذين حسبوا حجم كوكب الأرض بدقة شديدة، وذلك فى الوقت الذى كان الأوروبيون يتصورون أن الأرض مسطحة!!
ولقد جاء الكتاب الجديد الذى صدر مؤخرا بعنوان "تاريخ ضائع" للدبلوماسى الامريكى السابق والصحفى الحالى مايكل هاميلتون مورجان، يندد بدور الغرب فى إساءة فهم تاريخ العرب وقمعه وأحيانا إعادة كتابته بشكل مغاير. ونشر الكتاب ليذكر الغرب مرة أخرى بفضل الحضارة الإسلامية على عالم اليوم، مؤكدا أن مساهمة العرب للمعرفة الحديثة لا يمكن عدها أو حصرها، ولكى يعيد الى الأذهان مساهمات العرب للتقدم التكنولوجى الحالى، من خلال اكتشافاتهم واختراعاتهم وإبداعاتهم على مدى مئات السنين، ابتداء من عام 570 ميلاديا، الذى وصفه بالعصر الذهبى للإسلام. وقدم مورجان فى كتابه العلماء والمفكرين الكبار أمثال ابن الهيثم وابن سينا والطوسى، والخوارزمى وعمر الخيام، وهو المفكرون الذين مهدوا الطريق لعلماء الغرب أمثال نيوتن وكوربرنيك واينيشتاين وآخرين كثيرين.
ولم يكتف الكتاب بذكر العلماء والمفكرين، بل ذهب مورجان الى قلب الدين نفسه ليثبت للغرب كيف كان النبى محمد، والحكام المسلمين من بعده، يدعون الى التسامح الدينى والى البحث عن العلم "ولو فى الصين"، وقال انه تاريخ اكتمل فكريا أكثر من تاريخ أوروبا المسيحى فى نفس الفترة، وفيه ازدهر وعمل معا المسيحيون واليهود والهندوس والبوذيون. ويقول مورجان عن الحضارة الإسلامية إنها وضعت بذرة النهضة الأوروبية وجعلت من الممكن انطلاق الشرارة لإرساء الحضارة العالمية.

وإن كان الكتاب موجه أساسا الى الغرب الذى يعمل جاهدا على تشويه صورة الإسلام والمسلم، وتصويره على انه إرهابى، فانه أيضا تذكرة للمسلمين أنفسهم، الذين فقدوا ذاكرتهم ونسوا جذورهم، وصدقوا مزاعم المتطرفين بان واجبهم المقدس الأوحد هو القضاء على الكافرين، أو مزاعم الغربيين، خاصة المحافظين الجدد، بأنهم متخلفين عن الركب، وان الإسلام دين غير متكافئ مع الحياة العصرية فى القرن الواحد والعشرين لأنه يضم عوامل تجعله مناهض لحرية التفكير والتقدم الاجتماعى والعلمى. وصدق المسلمون تلك المزاعم، فضلوا طريقهم وفقدوا الهدف.

قام مورجان بتقسيم الكتاب الى المجالات المختلفة من العلوم والفلسفة والفنون والروحانيات، فتحدث عن التسامح الدينى والتعايش مع الأديان الأخرى فى الدول التى فتحها الإسلام؛ كما كشف عن الفلسفة والمعرفة فى عصر الخليفة بن المأمون؛ ثم عن الحساب والرياضيات التى ازدهرت فى القرن التاسع ميلاديا مع الخوارزمى وآخرين؛ وتطور علوم الفلك فى بغداد فى عصر الخليفة المنصور ثم هارون الرشيد، وظهور اسم عمر الخيام الشاعر وعالم الفلك والرياضيات، وابن رشد الفيلسوف وعالم الفلك، والفيلسوف اليهودى ابن ميمون؛ وازدهار العلوم التكنولوجية والاختراعات فى قرطبة فى القرن التاسع والتى اشتهر بها عباس ابن فرناس "حكيم الأندلس" والكيميائى جابر بن حيان؛ والطب الذى عرفه الطبرى وابو بكر الرازى الذى يعرفه أطباء الغرب حتى اليوم، وابن سينا الذى يعتبر اشهر الفلاسفة الأطباء فى تلك الفترة وأكثرهم تأثيرا؛ وتحدث مورجان عن العمارة والشعر والموسيقى والفنون التى انتشرت من القدس الى قرطبة، ومن الأندلس الى سمرقند، ومن اوزبكستان الى أصفهان، ومن فارس الى أجرا بالهند؛ ويؤكد الكاتب انه لم يكن من الممكن أن تزدهر الحضارة الإسلامية العظيمة هذه، فى كل تلك المجالات بدون زعامات مستنيرة ساعدت على النهضة العلمية فى العصور الذهبية.

ويركز الكتاب، ليس فقط على المفكرين الإسلاميين فى الفترة التى وصفت بأنها العصر الذهبى للإسلام، والتى تتركز فى بلاد فارس وأسبانيا فى الفترة من عام 632 الى 1258 وانتهت بسقوط بغداد، ولكن على "العصور الذهبية العديدة" للفكر الإسلامي، التى تألقت أيضا فى وسط أسيا وتركيا العثمانية، والهند المنغولية، واستمرت حتى القرن الثامن عشر.
ويأمل مورجان أن مع استعادة "التاريخ الضائع" يمكن للجميع أن يفهم القضايا الحالية والتى كما يقول، لن تحل أبدا بالقوة والعنف. لأن الدرس الأساسى الذى يريد الكاتب أن نتعلمه من كتابه، هو أن القوة لا تحل بشكل ايجابى القضايا الخاصة بالروح والنفس، سواء كان ذلك يتعلق بالأفراد أو بالحضارات.

القرآن يوصى بالعلم والمعرفة
عبر ثمانى فصول ونحو 300 صفحة، ربط هاميلتون مورجان التاريخ بالحاضر، والقضايا المادية بالروحانيات، والعلوم الحديثة بالنصوص القرآنية. ويقول مورجان أن وصايا القرآن الكريم ساعدت على تفتح الفكر والعلم فى الحضارة الإسلامية التى كانت على وشك أن تبدأ، وفجرت رغبة فى البحث من اجل المعرفة والاكتشاف. ونقل الكاتب الآيات التى تتحدث عن العلم وأهميته، وقدم خطبة الوداع التى ألقاها الرسول الكريم، وركز فيها على رؤيته وأفكاره التقدمية التى تدعو الى المساواة بين الجنسيات وبين الاثنيات، وهى نفس تلك الوصايا التى سيعمل الإنسان على تطبيقها على مدى ألف عام.
وبعد وفاة الرسول، ورغم أن الخلافة كانت السبب فى الانقسام بين المسلمين، إلا أن الكاتب أشار الى أهمية الحوار والجدل الذى دار فى تلك الفترة حول خلافة المسلمين، والمشاورات السياسية التى كانت تجرى والتى، كما يقول، سوف تثير قضية "الدولة" و"السياسة". من بين تلك القضايا، أشار الكاتب الى أسلوب اختيار الزعيم ومن الذى يختاره؛ والصفات التى يجب أن يتحلى بها، ومدى أهمية اهتمامه بالعلم وبالمعرفة، وما هو الدور الاجتماعى والسياسى والروحانى الذى يجب عليه أن يلعبه فى المجتمع.

أما ماذا حدث؟ وكيف قام الإسلام بنشر تلك الأفكار فى العالم على مدى مئات السنين، رغم وجود حضارات ودور أكثر ثراءا وأكثر قوة فى تلك الفترة؟ فذلك هو التاريخ الذى ضاع مننا والذى يعيد مورجان اكتشافه للقارئ الغربى.