16 Oct 2007

الملك فاروق المسلسل وليس التاريخ

أنبهر معظم الشعب المصرى بمسلسل الملك فاروق الذى عرض فى شهر رمضان الماضى، وذلك سواء بسبب الديكورات الراقية او الملابس الغالية او حياة القصور الفخيمة. ولكن أيا كان السبب، فعلى الجميع ان يدرك بعض الأمور قبل الحكم على الاحداث التاريخية حكما غير صحيح: اول تلك الامور هى ان المسلسل الدرامى شئ والفيلم والوثائقى شئ أخر، والاحداث الدرامية ليست تاريخا، لان ان كان المؤلف الروائى يملك الحق فى "تأليف" بعد الأحداث، فان المؤرخ لا يملك هذا الحق. لذلك فعلى المشاهد ان يفرق بين الاثنين حتى لا يأخذ احداث المسلسل على انها الاحداث التاريخية الحقيقية.
وثانيا: المؤلف الروائى يقص التاريخ من وجهة نظره وحسب مشاعره، فهو لا ينظر الى الأمور نظرة موضوعية بل نظرة شخصية، لذلك فهو لا يمكن ان يكون مرجعا تاريخيا، بعكس المؤرخ الذى يكتب التاريخ بقلب بارد وعقل موضوعى، فيسرد أحداثا وتفسيرها بدون ان يضمها المشاعر الخاصة
لذلك فقد اعطى مسلسل الملك فاروق، الشعب المصرى انطباعا غير صحيح عن اخر ملوك مصر، وحاول،حسب قول مؤلفته، ان يظهر انه لم يكن بالسوء الذى قيل عنه، فيبرر اخطاءه. وتلك مسألة خطيرة لان المسلسل عايش المشاهدين فى وهم فتصوروا انه حقيقة؛ وعقدوا مقارنات مع الواقع، فتصوروا ان الماضى كان افضل؛ فى حين ان تلك التصورات غير صحيحة لان الماضى ليس افضل؛ وان كان المسلسل اراد ان يبرر للملك فاروق اخطاءه بانه كان شابا طائشا وان من حوله هم الذين حرضوه على الغواية. ولكن ذلك ليس مبررا لانه فى النهاية "ملكا" ويملك السلطة الكاملة، وكان هناك من نصحوه ولكنه استبعدهم، مثل الملكة فريدة وعزيز المصرى وغيرهم.
وفى نفس الوقت حاولت المؤلفة تحسين صورة الملك بشكل غير واقعى، فقامت بمحو أخطاءه الاخرى مثل فساده وحبه فى لعب الميسر والاستيلاء على اى سيدة تحلو فى نظره رغما عن صديقها او خطيبها او حتى زوجها. وتلك الأمور حقيقية لا تستطيع ان تمحوها
ان المؤلفة تعيب على عصر الثورة انه حاول الاساءة للعصر الملكى من خلال اعطاء انطباعا بانه عصر سئ بدون وجه حق، وهى تقوم بنفس الخطأ ولكن بالعكس فهى تعطى انطباعا بان هذا العصر كان ديمقراطيا، فى حين ان الفساد الحزبى كان ينخر فى الاحزاب السياسية؛ وان الملك كان انسانا جيدا بدون وجه حق.
ان الأمرين خطأ. فان ما علينا ان نفعله اليوم، ليس الحكم على الاحداث ان كانت سيئة او جيدة، ولكن ان نقدمها للشعب كما هى بلا رتوش، فان الشعب فى حاجة ملحة لان يعرف تاريخه، حتى يستطيع ان يتطلع الى المستقبل. هذا التاريخ بكل سوءه وكل امجاده هو جزء منا ونحن جزء منه، ويجب ان نعرفه لكى نعرف انفسنا، ويجب ان نتجاوزه حتى نستطيع ان ننظر الى المستقبل ولا نبقى حبيسى الماضى.