11 Nov 2007

الهجرة الى الماضى

عودة الى مسلسل الملك فاروق الذى أثار اهتماما على جميع المستويات، وطرح العديد من التساؤلات، كان من اهمها تساؤل طرحه المثقفون فى حيرة : لماذا؟ لماذا آثار المسلسل كل هذا الحنين الى الماضى؟

أهم الأسباب الرئيسية كما قال البعض هو الشعور القوى بالإحباط من الحاضر، بل وذهب البعض الأخر الى القول ان مسلسل فاروق والاعجاب الشديد به يعتبر بمثابة استفتاء على رفض الحاضر. ولكن من الملفت ان كل الاجيال فى مصر شعرت بهذا الحنين، من عايش الماضى ولو فى فترة طفولته، ومن لم يعايشه. فقد أعجبت وانبهرت كل الأجيال التى ولدت فى السبعينات وفى الثمانينات بماضى تصوروا انه يحمل كل الاجابات على تساؤلاتهم. ورأوا فى المسلسل، رغم انه ليس فيلما وثائقيا بل مجرد دراما تليفزيونية، ما تصوروا انه تاريخا لم يسمعوا به من قبل. وعاشوا فى صورة وهمية عن حياة خالية من المعاناة.

وان كان الجيل الاول قد تأثر بالمسلسل لانه يشعر بالاحباط من الحاضر، فان الجيل الاصغر تأثر به لانه، ليس فقط يشعر بالاحباط من الحاضر، بل والاهم انه لا يجد أملا فى المستقبل. وذلك هو الخطير فى المسألة، بل والمقلق، لان الشعب الذى لا يشعر شبابه بأمل فى مستقبل هو شعب مصيره العدم، ولن يحقق أية نهضة.

ان هذا الشعور باليأس الكامل عبر عنه الشباب مؤخرا باكثر من وسيلة: فهو اما يحاول الهجرة بكل الطرق القانونية وغير القانونية، فينتهى به الحال اما جثة هامدة فى أعماق البحار او سجينا فى معتقلات الغرب، او ان يهرب من الحاضر بالعودة الى أحلام الماضى والتى لن تعود.

فما العمل؟

ان هذا الاحباط من الشباب هو مسئولية الجيل السابق، الذى سيترك لأبناءه وطنا بلا أسس بعد ان دمر كل حلم. سواء حلم العمل او الطموح او النزاهة. ولقد ترجم هذا الجيل عدم اهتمامه بترك وطنا قويا وثريا عندما اصبحت الجنسية بالنسبة له مثل طوابع البريد، يجمعها من كل بلد ويسعى القادرون منه الى ان يولد ابناءهم فى الولايات المتحدة ليحصلوا منها على الجنسية. فقاموا بذلك بقطع كل أواصر الابناء بوطنهم منذ مولدهم. وبالتالى فلا يشعر لا الاباء ولا الابناء بأى حماس او رغبة فى تحسين الوضع القائم، او بذل الجهد من اجل غد أفضل، فبالنسبة لهم ليس هناك غد فى وطنه.

يجب ان نعمل على وقف هذا الانزلاق الى الهاوية، لان الشعب الذى له أعظم حضارة فى تاريخ البشرية، ليس من حقه ان يقضى عليها بكل هذا العنف. واتذكر كلمات حكيمة تقول: اننا لم نرث هذا الوطن من اباءنا بل اقترضناه من ابناءنا، ويجب علينا ان نعيده اليهم افضل مما كان.