4 Apr 2008

اسرائيل ضيف شرف



احتفت فرنسا بدولة إسرائيل على المستويين الثقافى والسياسى، بمناسبة مرور 60 عام على نشأة الدولة العبرية، فاستقبلت المثقفين الإسرائيليين كضيوف شرف فى معرض الكتاب، واستقبل الرئيس الفرنسى نظيره الإسرائيلى شيمون بيريز، فى أول زيارة دولة يقوم بها الى فرنسا، وكل ذلك بدون أن تأخذ فرنسا فى اعتبارها آلام الشعب الفلسطينى المحاصر فى غزة، والتهديدات بالمحرقة التى بثها نائب وزير الدفاع الإسرائيلى، والجرائم ضد البشرية والإنسانية التى يمارسها الجيش الإسرائيلى كل يوم ضد المدنيين الفلسطينيين من أطفال ونساء وعجائز.
ولقد جاء ذلك فى الوقت الذى اتخذت بريطانيا مواقف مختلفة، فقد صدر حكم ضد قضائى ضد الجنرال دورون الموج، احد كبار الضباط الإسرائيليين بالقبض عليه أن دخل بريطانيا لاتهامه بارتكاب جرائم ضد البشرية عندما أمر بتدمير 50 منزلا فى غزة عام 2002، وعندما جاء فى زيارة لبريطانيا حذره البعض من حتمية القبض عليه إذا خطت قدمه الأراضى البريطانية، فلم يغادر الطائرة التى أقلته الى لندن وعاد بها الى بلاده.
ولكن فى فرنسا ليس هناك إلا قوانين تدين كل من يعادى السامية. وليس غريبا أن يشعر بيريز كما قال فى الحديث الذى أجرته معه صحيفة لوفيجارو الفرنسية، بأن العلاقات اليوم مع فرنسا هى الأفضل منذ عام 1967. فان بيريز هو الذى كان يقوم بالمفاوضات السرية مع السلطات الفرنسية فى بداية الخمسينات من القرن الماضى للتعاون فى بناء المفاعلات النووية الإسرائيلية.
وليس غريبا أن يدين بيريز لفرنسا بالكثير بسبب دورها مع اليهود على منذ الثورة عام 1789، حينما منح نابليون الجنسية الفرنسية الى اليهود؛ وفى نهاية القرن التاسع عشر أدان المثقفون الفرنسيون وبريادة المفكر إميل زولا اتهامات بالتجسس التى وجهت الى الضابط اليهودى دريفوس؛ وفى الحرب العالمية الثانية منع الفرنسيون ترحيل اليهود الى معسكرات الاعتقال. وحتى بعد نشأة الجمهورية الخامسة، لم يخف ديجول إعجابه بالدولة اليهودية "الشجاعة" ووصفها بالصديق والحليف.
ولكن ديجول كشف السياسة الاستعمارية التى تنتهكها إسرائيل بعد 1967 وبدأ التحول فى العلاقات للمطالبة بالحق والعدالة للشعب الفلسطينى حتى مع الرئيس الاشتراكى فرانسوا ميتران ومن بعده الديجولى جاك شيراك. وخلال تلك السنوات كانت إسرائيل تدعو يهود فرنسا الى الهجرة الى إسرائيل، واتهم رئيس وزراء إسرائيل السابق آرييل شارون فرنسا بمعاداة السامية بسبب بعض الأحداث التى كانت ترتكب ضد اليهود والمنشآت اليهودية، رغم الكشف عن تلفيق تلك الأحداث.
وليس غريبا أيضا أن يعود بيريز الى فرنسا لكى يعبر عن إعجابه الكبير برئيسها الحالى ساركوزى الذى لم يتردد فى أن يؤكد دوما صداقته للدولة الإسرائيلية، ودعا الى ما أطلق عليه "الاتحاد المتوسطى" لكى يضم إليه إسرائيل، ودعا الى قيام كل تلميذ فى سن العاشرة بتبنى ذاكرة طفل يهودى قتل فى معسكرات الاعتقال النازى رغم ما أثاره الاقتراح من غضب واشمئزاز الجميع فى فرنسا.
بالنسبة لإسرائيل عادت فرنسا لتلعب دورها الكبير مع الدولة الإسرائيلية، ولكن أن كان اليهود فى الماضى هم الضحايا، فان الدولة العبرية اليوم هى الجلاد وهى المحتل، فهل تستحق نفس المعاملة؟