31 May 2008

الوحدة هى الحل


بدت مبادرة المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وسوريا بوساطة تركية غريبة فى هذا الوقت، خاصة وان إسرائيل أكدت على استعدادها للتنازل عن الجولان من اجل السلام؛ ولقد ذهب دان هالوتز قائد عسكرى اسرائيلى سابق، كان قد أدانه تقرير اسرائيلى بضرب المدنيين فى جنوب لبنان والبنية التحتية اللبنانية وترهيب المدنيين فى حرب إسرائيل ضد الجنوب اللبنانى عام 2006، بالتصريح فى الإذاعة العسكرية ما معناه أن إسرائيل ليست فى حاجة ماسة للجولان.
وذلك رغم أن الجولان بالنسبة لإسرائيل كانت دائما منطقة استراتيجية مهمة لأنها مرتفعة تستطيع منها السيطرة على الموقع وتضمن أمانها؛ كما أن خلال أربعين عام من الاحتلال الإسرائيلى للجولان شييدت المستوطنات التى بات يعيش عليها أكثر من 20 ألف مستوطن إسرائيلى، من الصعب أن يطلبوا منهم الانسحاب من الهضبة بهذه السهولة.
إذن فان الجولان لا تتعدى مجرد "جزرة" تلقى بها إسرائيل الى سوريا، بشرط أن تنفذ طلبات إسرائيل، وهى أساسا: التوقف عن دعم حماس وحزب الله وإيران، الثالوث الذى تركز إسرائيل وأمريكا الآن على القضاء عليه.
فى نفس هذا الوقت، عقد بنيامين نتانياهو، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، لقاءا مع الرئيس حسنى مبارك على هامش منتدى ديفوس فى شرم الشيخ، أكد فيه نتانياهو للرئيس مبارك أن لإسرائيل ومصر عدوا مشتركا وهو التطرف الاسلامى؛ وان أهداف مصر وإسرائيل واحدة فى المنطقة. فى محاولة أخرى لاستقطاب مصر فى معسكر إسرائيل ضد الإسلام والعرب وخاصة ضد حزب الله وحماس وإيران.
لا تمل إسرائيل من القيام بمناورات سياسية من اجل تقسيم الدول العربية، انها سياسة "فرق تسد"، التى تطبقها إسرائيل منذ أن نشأت قبل ستين عام وعلى مدى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلي؛ وهى السياسة التى تهدف منها القضاء على اكبر عائق أمامها فى المنطقة وهى الوحدة العربية. لذلك فان الكرم الإسرائيلى المفاجئ للتنازل عن الجولان بعد 40 عام من التمسك بها، وراءه هدفا أكبر وهو إغلاق كل سبل الدعم التى يحصل عليها الثالوث الذى أحال الحياة اليومية الإسرائيلية الى كابوس، حتى يسهل القضاء على أعضاءه كل على حدا. والسؤال هو الى أى مدى تنوى إسرائيل تنفيذ تعهداتها بخصوص الجولان؟ أم إنها مجرد تعهدات فى الهواء مثل كل ما سبق؟
أن تاريخ إسرائيل فى الوفاء بعهودها ليس حافلا. لذلك على الدول العربية أن تستشف الدروس من الاتحاد الأوروبى الذى يدعم ويوسع مساحة وحدته السياسية بعد الاقتصادية؛ ومن أمريكا اللاتينية التى قامت مؤخرا بتوقيع اتفاقية تضع أسس وحدة 12 دولة من دول أمريكا الجنوبية "اوناسور"، فى تحدى حقيقى لكل محاولات الولايات المتحدة للتفريق بينهم سواء عن طريق الانقلابات أو تأجيج الحروب الأهلية داخلهم.
ان "الوحدة" هى بالتأكيد"، كما قال الرئيس الفنزويلى هوجو شافيز، "مستقبل شعوبنا" من اجل مواجهة الأزمات الدولية الحالية السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

22 May 2008

تغيير النظم



لم يتوان الرئيس الأمريكى جورج بوش فى كلمته فى مؤتمر ديفوس بشرم الشيخ، أن يهاجم الثلاثة: حماس وحزب الله وإيران، ملمحا الى أن الدور جاء عليهم لتنفيذ عملية التغيير بعد العراق وأفغانستان، لتحقيق صورة "الشرق الأوسط الكبير" الذى طرحته الإدارة الأمريكية قبل نحو خمس سنوات.
لذلك فليس من المستبعد أن نفسر ما حدث فى لبنان مؤخرا، بأنه محاولة جديدة فى عملية تغيير النظم السياسية فى منطقة الشرق الأوسط بعد المحاولات الفاشلة العديدة التى قامت بها أمريكا وإسرائيل خلال السنوات القليلة الماضية.
ففى الوقت الذى علت فيه الأصوات تندد بقرار حسن نصر الله رئيس حزب الله، دخول بيروت بقواته وسلاحه ردا على قرار وليد جنبلاط زعيم الدروز، بإيقاف مسئول حزب الله فى المطار وإغلاق وسائل الاتصالات التابعة لحزب الله؛ خرجت أصوات أخرى تشير الى أن ما حدث فى بيروت هو محاولة من البيت الأبيض لدفع حسن نصر الله الى ارتكاب الأخطاء، مثل المحاولة السابقة مع اغتيال قائده العسكرى عماد مغنية فى دمشق، ودفع نصر الله الى أن يتوعد إسرائيل بالحرب المفتوحة، وذلك من شأنه ان يعطى أمريكا المبرر لتأمر تدخل قوات حلف الاطلنطى فى لبنان للقضاء على حزب الله والانتقام لإسرائيل.
كانت الولايات المتحدة تأمل أن يقوم نصر الله بالاستيلاء على السلطة وقتل، بل ذبح، كبار قيادات الحكومة اللبنانية، وهى كلها أسبابا قوية لتدخل قوات الأطلنطى تحت زعم حماية الديمقراطية والحكومة اللبنانية.
ولكن خلال ثلاثة أيام انقلبت كل الموازين وبدلا من تنفيذ الدعاية التى بثها الإعلام الامريكى، والتى أكدت أن قوات حزب الله نظمت انقلابا عسكريا وأنها تسيطر على منطقة غرب بيروت، أتضح أن قوات حزب الله لم تقم إلا ببعض المعارك القصيرة ضد مصالح عائلة الحريرى فى غربى بيروت، ولكنها انسحبت بسرعة من المنطقة وسلمت مقاليد الأمور الى الجيش. وبذلك يتضح أن هدف حزب الله لم يكن الاستيلاء على السلطة. وهكذا سحب نصر الله السجاد من تحت أقدام أمريكا وإسرائيل.
نفس الشئ يحدث بشكل يومى فى غزة، حيث تعمل أمريكا وإسرائيل على تأجيج الصراعات والانقسامات بين فلسطينى غزة والضفة الغربية، أو بين فتح وحماس، لأول مرة فى تاريخ الصراع الفلسطينى، بسبب فوز حماس بالأغلبية الساحقة فى انتخابات عام 2006. وتستمر الضغوط على حماس يوما بعد يوم سواء عن طريق الحصار السياسى والاقتصادى، أو من خلال الهجمات العسكرية ضد المدنيين الفلسطينيين من اجل القضاء عليها تماما سواء داخليا أم خارجيا.
ليس هناك أى مفاجأة فى محاولات أمريكا تغيير النظم قسرا فى منطقة الشرق الأوسط، فقد قامت بالمثل فى مناطق أخرى وعصور أخرى، مثل إيران عام 1953 وجواتيمالا عام 1954، وغيرها مثل كوبا وتشيلى وبنما وصوماليا، وتطول القائمة. ولكن المفاجأة أن ينجح المستهدفون فى إفشال الخطة، والتمسك بالوحدة الداخلية. فان أهم صفات القائد الحقيقي هو توقع تحرك الخصم، ووأد خطته وأهدافه للمصلحة القومية.

5 May 2008

جريمة العصر

كل شخص يملأ خزان سيارته بالوقود، يجب أن يفكر انه بذلك يحرم شخص أخر من الطعام لمدة عام كامل. فمن المتوقع أن يتحول هذا العام مئة مليون طن من الطعام الى وقود للسيارات، فى محاولة للاستغناء عن البترول الذى وصل سعر البرميل منه الى أعلى معدلات له، واستخراج وقود حيوى لا يلوث البيئة.
وكانت النتيجة الطبيعية لمثل هذا القرار هو ارتفاع أسعار الطعام الأساسى مثل القمح والذرة والأرز، والتى تعرف بالمواد الاولوية الغذائية، الى معدلات فلكية عانى منها 37 دولة فى أنحاء العالم تمثل 89 مليون نسمة، وبالتالى توالت المظاهرات العنيفة فى كل مكان أسفرت عن وفاة العديد من المتظاهرين، مما أدى الى موجة من عدم الاستقرار كان أول ضحاياها رئيس وزراء هايتى.
ولقد تفاوت موقف المحلليين السياسيين من قرار استبدال البترول بالطعام كوقود، فيرى البعض أن تلك هى الوسيلة الوحيدة من اجل خفض التلوث المناخى مؤكدون أن الأزمة الغذائية ستستمر لفترة مؤقتة، الى أن يعود التوازن مرة أخرى بين الإنتاج والاستهلاك. وقال الرئيس البرازيلى لولا دا سيلفا أن أسعار الطعام لم ترتفع بسبب الوقود الحيوى، ولكن بسبب تزايد عدد المستهلكين للطعام فى الصين والهند وافريقيا وأمريكا اللاتينية.
ولكن من ناحية ثانية، يرى البعض الأخر أن الولايات المتحدة والبرازيل، هما اكبر مسئولين عن تلك ألازمة، التى قاموا باصطناعها حتى تستطيع أمريكا مواجهة تزايد أسعار البترول بدون أن تخفض استهلاكها من الطاقة. ويرى هذا الفريق أن الولايات المتحدة تدعم استراتيجية من شأنها أن تقود جزء كبير من البشرية الى كارثة حقيقية وصفها جان زيجلر مفوض الأمم المتحدة الخاص من اجل الحق فى الغذاء بأنها "جريمة ضد البشرية". فقد أكدت منظمة الغذاء العالمية أن إنتاج الوقود الحيوى سوف يمنع الشعوب الفقيرة فى العالم الثالث من الحصول على ما يحتاجونه من الطعام. ويؤكد هذا الفريق من المحلليين السياسيين أن النتائج الاجتماعية لهذه السياسة ستكون كارثية، فى الوقت الذى يعانى فيه 854 مليون نسمة بالفعل من الأزمات الغذائية.
ورغم أن المنظمات المالية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية، اظهرا تعاطفا وحذرا العالم من مغبة تزايد أسعار الطعام الأساسى، مؤكدين أن الوضع قد يؤدى الى اندلاع حربا دامية، إلا أن فى حقيقة الأمر، تلك المنظمات هى نفسها التى ساعدت على تفاقم المشكلة. فان سياسة الاحتكار الزراعى التى يقودها الاتحاد الأوروبى فى أفريقيا، والمضاربات فى البورصة العالمية على المواد الاولوية، بالإضافة الى السياسة الاقتصادية التى تقودها الإدارة الأمريكية ومنظمة التجارة العالمية، هم السبب الرئيسى فى الأزمة؛ والحل الذى تسعى منظمة مثل الأمم المتحدة تطبيقه سيكون وسيلة أخرى لتزايد الضغوط على مئة مليون نسمة فى العالم الفقير، فقد أعلنت المنظمة الدولية أن برنامج الغذاء العالمى سوف يخفض نسبة ما يقدمه من طعام فى المدارس لأفقر الأطفال فى العالم. هؤلاء الفقراء الذين يعانون أولا من الأزمة، وثانيا من وسائل حل الأزمة التى خلقها الإنسان، والعالم الغنى. وتلك هى جريمة العصر.