31 Dec 2008

يد الغدر تضرب فى غزة

لم يكن غريبا أن تضرب إسرائيل بيد الغدر على سكان غزة بعد أن أعدت الأرضية فى البلاد العربية وفى الخارج لتبرر أعنف هجوم دموى تقوم به ضد أبناء غزة العزل منذ حرب 1967.
نفس السيناريو الذى وضعته الولايات المتحدة لضرب العراق فى عام 2003 قامت إسرائيل بتطبيقه فى غزة. فقد وضعت أولا القطاع الفلسطينى تحت الحصار المشدد لأكثر من 19 شهرا الى أن حولت الشعب الفلسطينى فى القطاع الى "شحاذين" كما قال احد الكتاب، فهم يأكلون الحشائش ويموتون فى المستشفيات بسبب غياب الدواء وانقطاع الكهرباء عن الأجهزة الطبية؛ ومنعت المعونات من الوصول إليهم سواء من البحر أو من البر. ويصف المراقبون الأطفال الجوعى والمرضى بأنهم "جيل من الجفاف".
ثم فرضت إسرائيل تعتيما إعلاميا على القطاع، فمنعت الصحافة الأجنبية من تغطية الأحداث داخل القطاع؛ كما منعت مسئولا من المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة من دخول غزة، بل وقامت باعتقاله عند دخوله البلاد ومنعته من القيام بمهامه الرسمية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، ثم رحلته.
وتأتى الخطوة الثالثة عندما بدأت إسرائيل فى تخدير الرأى العام العالمى، عن طريق طرح أراء حول التهدئة والسلام، كما فعل ايهود اولمرت رئيس الوزراء المستقيل الذى أعلن فى شهر سبتمبر الماضى، "تراجعه عن فكرة تمسك إسرائيل بالضفة الغربية وقطاع غزة وقال أن تصور "إسرائيل الكبرى" قد انتهى، ليس هناك شيئا مماثلا. واى شخص يتحدث عن مثل تلك الرؤية فهو يعيش فى الوهم". وفى نفس الشهر قال اولمرت فى تصريحات صحفية أن على إسرائيل أن تغادر كل الأراضى التى احتلتها عام 1967 مقابل السلام مع الفلسطينيين، بما فيها الضفة الغربية وهضبة الجولان وأيضا القدس الشرقية. مؤكدا انه يطرح ما لم يطرحه أى مسئول إسرائيلى من قبل. تماما مثلما عرض ايهود باراك رئيس الوزراء الأسبق على الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات فى 2002 السلام وإعادة كافة الأراضى الفلسطينية.
ومثلما حدث فى 2002 حدث مرة أخرى فى 2008، بعد تلك الهدية المسمومة، انقلب فى المرة الاولى أرييل شارون على الوضع ودخل ساحة المسجد الاقصى بألف جندى، مما أدى الى تفجر الانتفاضة الثانية؛ واليوم، بعد اشهر قليلة دكت القوات الجوية الإسرائيلية قطاع غزة فيما وصف بأنها أسوأ عملية عسكرية دموية منذ حرب 67. وذلك حتى يلقى اللوم كله على الفلسطينيين.
ولكن كل شئ كان معدا لهذا اليوم خاصة بعد أن أعلن الرئيس الامريكى المنتخب، باراك اوباما أن إسرائيل هى أهم حليف لها فى المنطقة، وبعد أن أعلن الاتحاد الأوروبى تحت الرئاسة الفرنسية رفع مستوى التعامل مع إسرائيل.
واليوم عندما قامت إسرائيل بدك غزة فى منتصف النهار، بينما كان أطفال المدارس فى طريقهم من والى مدارسهم، وكانت الشوارع تعج بالمارة والمدنيين، ليسقط المئات قتلى وجرحى، لم ترفع أى حكومة مسئولة فى أوروبا أو الولايات المتحدة صوتها لكى تدين العدوان. فهم لازالوا تحت تأثير التخدير.

فى عام 2001، وضعت الولايات المتحدة تفسيرها للإرهاب، فى الأمر التنفيذى رقم 13224 ووصفته بأنه: نشاط يضم عملا عنيفا أو خطيرا يضر بحياة الإنسان أو الملكية أو البنية التحتية؛ وهو نشاطا مقصودا ذا نية مبيتة يهدف الى تخويف أو قمع السكان المدنيين، والتأثير على سياسة الحكومة من خلال التخويف أو القمع؛ أو التأثير على تصرف الحكومة من خلال التدمير على نطاق واسع، أو القتل أو الخطف أو احتجاز رهائن. هذا الأمر التنفيذى وقعه جورج بوش فى 23 سبتمبر عام 2001، ويستخدم للقضاء على أى منظمة أو شخص أو دولة لا تريده. ولكن نفس التفسير ينطبق على إسرائيل وتصرفاتها مع الفلسطينيين على مدى ستين عام، ولكن لم يتهمها احد أبدا بالإرهاب؛ برغم خطتها الواضحة فى عملية التطهير العرقى المستمر حتى اليوم.