22 Jan 2009

لماذا غزت إسرائيل غزة؟


يقول جيمس بيتراس، الكاتب الامريكى، أن الخطة العسكرية الإسرائيلية استهدفت المراكز التى تضم اكبر عدد من المواطنين الفلسطينيين، فدمرت الجامعة الأساسية التى يدرس فيها أكثر من 18 ألف طالب فلسطينى، معظمهم من الفتيات، ودمرت المساجد والصيدليات وخطوط الكهرباء والمياه ومحطات الكهرباء وقرى الصيد وقوارب الصيد وميناء الصيد الصغير، الذى كان يمد أهل القطاع الجوعى بأقل القليل من الأسماك. كما دمروا كما يقول بيتراس الطرق ووسائل المواصلات ومخازن الطعام والمصانع الصغيرة والمتاجر والمنازل. ففى رأى بيتراس كان لابد لإسرائيل أن تدمر كل أوجه الحياة التى تسمح للمواطنين بالبقاء والعيش مع بعض الكرامة والاستقلال.
وكل ما سبق لن يتوقف حتى ولو تنحت حماس عن الحكم. فتقول جنيفر لوينشتاين مدير مساعد برنامج دراسات الشرق الأوسط فى جامعة ويسكونسون- ماديسون الأمريكية، أن ما يحدث فى قطاع غزة منذ أكثر من أسبوع ليس له أية علاقة بحماس، وليس له أية علاقة بالإرهاب، ولا بضرورة الأمن الإسرائيلى أو بحزب الله أو بسوريا أو إيران. إنها حرب تهدف الى استعباد شعب كامل جرؤ يوما ما على المطالبة بحقه فى البقاء وفى وطن ذى سيادة؛ شعب جرؤ يوما ما على المطالبة بان تكون ثرواته ملكا له، ويرفض أية قواعد عسكرية إمبريالية على أرضه.
كما أكدت جنيفر الى أن الحرب الحالية فى غزة ليس لها علاقة بالجماعات الإسلامية أو بالحرية أو الديمقراطية أو العدالة أو السلام، لان كل رموز المقاومة تتغير وتغيرت عبر السنين، من فتح والجبهة الفلسطينية لتحرير فلسطين التى رأسها حبش، الى حماس؛ لان، كما تقول الباحثة الأمريكية، إسرائيل لا تريد السماح بوجود دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للاستمرار عند حدودها. فلم يكن فى نيتها ذلك فى عام 1948 ولا فى الخمسينات ولا فى عام 1967 ولا فى عام 1974، ولا كان فى نيتها العمل على حل عادل فى عام 1978 أو 1982، عندما غزت بيروت وسحقت العاصمة اللبنانية؛ ولم يكن فى نيتها الموافقة على الدولة الفلسطينية فى مدريد ولا فى اوسلو؛ لذلك فسواء بقت حماس أو رحلت، فان إسرائيل لن تقبل أبدا بوجود دولة وسلطة فلسطينية عند حدودها تطالب بحقها فى السيادة والمساواة مع سائر دول المنطقة. ولكن إسرائيل لا تعرف إنها مع كل قنبلة تسقط انما تغذى ارض الانتقام والمرارة والكراهية، وذلك ليس فقط فى فلسطين ولكن فى سائر دول المنطقة.
وفى نفس الوقت كتب نورمان فينكلشتاين، الكاتب الامريكى اليهودى، صاحب كتاب "صناعة الهولوكوست" يقول فى حوار مع برس تى فى، أن أهداف الحكومة الإسرائيلية هى إقامة ما تصفه "بقدرات الردع"، وهو ما يعنى فى نظر فينكلشتاين ترويع الدول العربية الأخرى فى المنطقة. فيرى فينكلشتاين أنه بعد هزيمة إسرائيل من حزب الله فى جنوب لبنان، وبعد صعوبة شن هجوما على إيران، أصبح من الضرورى أن تهاجم حماس التى تتحدى رغبة إسرائيل. ويؤكد فينكلشتاين أن الصحف الإسرائيلية تشير الى أن ايهود باراك وزير الدفاع كان يخطط للهجوم قبل وقف اطلاق النار الأخير، وكان ينتظر أى استفزاز من الفلسطينيين ليبدأ تنفيذ الخطة. وفى 4 نوفمبر كسرت إسرائيل اتفاقية وقف إطلاق النار مع حماس وهى تعلم تماما أنها أن قتلت ستة من النشطاء الفلسطينيين، فانهم سوف يحاولون الانتقام. فى تلك الحالة ستجد إسرائيل المبرر للغزو. وبالتالى تنشر الخوف من إسرائيل من خلال ما وصفه فينكلشتاين بحمام الدم فى غزة. وما يحدث فى غزة اليوم هو تصحيح أخطاء إسرائيل التى ارتكبتها فى جنوب لبنان عام 2006. فقد قررت فى غزة أن تقوم بعملية كاسحة تتسبب فى مذابح على اكبر نطاق ممكن، حتى تردع أى دولة عربية أخرى تحاول تحدى سلطة إسرائيل.

يؤكد الصحفى البريطانى جوهان هارى فى صحيفة الاندبندنت، أن إسرائيل حقيقة تريد السلام، ولكنها تريد السلام الذى تفرضه هى بشروطها هى، والذى يقوم على قبول الفلسطينيين بهزيمتهم. هذا السلام يعنى أن تبقى إسرائيل على كبرى مستوطناتها وتسيطر على الموارد المائية، ويعنى أن تبقى فلسطين منقسمة، حيث تتحول مسئولية غزة الى مصر، وتبقى الضفة الغربية المقسمة، وحدها. وتعرف إسرائيل تماما أن هذا النوع من السلام لن يتحقق من خلال المفاوضات؛ ولكن الواقع يؤكد، حسب الكاتب البريطانى، أن السلام المفروض لن يوقف إطلاق الصواريخ ولا الغضب الشعبى، وان فى النهاية سوف يكون عليها أن تتفاوض مع الشعب الذى تقوم بقصفه اليوم، ويجب عليها أن تجد حلول وسط معه.

الانتصار السهل

من المؤكد أن إسرائيل تشن حربا بلا بطولة؛ فمهما حدث فى تلك المنطقة، ومهما وصلت انتصارات إسرائيل، فان قواتها لن تستطيع أبدا أن تشعر بالفخر، تماما كما حدث فى حربها ضد أطفال الحجارة فى الانتفاضة الاولى، وتماما مثلما حدث مع أمريكا فى العراق، وكما فعلت إسرائيل فى جنوب لبنان.
نفس السيناريو الذى حدث مع العراق فى التسعينات وحتى الغزو فى 2003، حدث فى قطاع غزة مع اختلاف القوتين: فقد فرضت إسرائيل على القطاع عقابا اقتصاديا وحصارا منيعا استمر 19 شهرا، الى أن فقد الشعب الفلسطينى كل قدراته على الحياة ولم يعد يستطيع أبناءه وأطفاله الحصول على الطعام أو الشراب أو الدواء أو الكهرباء، وقضى على جيل كامل من الفلسطينيين؛ ذلك مهد الأرض لغزو سهل، فأرسلت إسرائيل طائراتها بلا طيار، تدك ما تبقى من أطلال فى القطاع وتحصد أرواح المئات وتدمر المنازل والمساجد والبنية التحتية للقطاع كله.. فهل تشعر إسرائيل بالفخر أمام هذا الانتصار السهل؟