24 Mar 2009

اعمار غزة مسئولية اسرائيل


بعد حرب إسرائيل ضد جنوب لبنان نظمت فرنسا مؤتمرا عالميا من اجل إعمار لبنان، وبعد أن قامت الترسانة العسكرية الأمريكية بتدمير العراق، نظمت أسبانيا مؤتمرا عالميا من اجل إعادة إعمار ما هدمته أمريكا؛ ثم قامت الترسانة الإسرائيلية مرة أخرى بتدمير غزة وسحق شعبها لأجيال قادمة، فتم تنظيم فى شرم الشيخ مؤتمرا عالميا لإعادة إعمارها. وكأن دول العالم، خاصة الدول العربية النفطية، باتت هى التى تتحمل مسئولية إعادة بناء ما تدمره إسرائيل وأمريكا.
ولكن فى الواقع فإن عملية إعمار غزة يجب أن تتناول بشئ كبير من الحذر. أولا لان لأن إسرائيل التى قامت بالهجوم المكثف على القطاع الصغير بعد 19 شهرا من الحصار والحظر الاقتصادي عليه، قصدت التدمير الكامل ليس فقط للمساكن والبنية التحتية وكل ما له صلة بكيان الدولة، بل أيضا للإنسان الفلسطينى والذى سيظل يعانى لأجيال عديدة قادمة. كما قصدت إسرائيل استخدام أسلحة حارقة مثل القنابل الفسفورية، التى تعتبر فى الأعراف الدولية أسلحة دمار شامل لأنها تدمر البيئة والمناخ والتربة، كما تحرق الأجساد الصغيرة، وتظل تنشط كلما اقترب احد من مكانها أو تلامست مع الهواء. ولقد ألمح بعض الخبراء الى أن تلك الأسلحة، التى تلقتها إسرائيل من الولايات المتحدة، استخدمت فى غزة على سبيل اختبارها، وذلك جريمة أخرى تضاف الى كل جرائم إسرائيل ضد الإنسانية.
ثانيا إسرائيل، باعتبارها سلطة احتلال، تقع عليها مسئولية المحافظة على المنشآت فى الدولة التى تحتلها، حسب القوانين الدولية، كما تقع عليها مسئولية حماية المدنيين الذين يقعون تحت سلطتها. ولكن ما يحدث هو العكس فان إسرائيل هى التى تقوم بالإضرار بكل المنشآت والبشر، وهى جريمة أخرى تضاف الى جرائمها ضد السلام.
ثالثا، تحصل إسرائيل على كل المساعدات المادية والعسكرية من الولايات المتحدة، والتى تستخدمها فى هجماتها على المناطق العربية على حدودها، ثم يتم تنظيم مؤتمرا للدول المانحة لمنح مساعدات مادية يقال إنها ستوؤل الى الشعب الفلسطينى ولكن فى الحقيقة ستذهب الى الشركات الكبرى التى هى فى الأصل غربية، وهى التى ستقوم بمهام إعادة الإعمار؛ فان كانت الإدارة الأمريكية قد أعلنت تقديم 900 مليون دولار مساعدات الى حكومة سلام فياض وغزة، فلا ننسى انها كانت قد تعهدت الى إسرائيل بتقديمها 30 مليار دولار كمساعدات دفاعية حتى نهاية عام 2017.
رابعا، تقول الصحفية الإسرائيلية عميرا هاس، أن المجتمع الدولى تعهد بتقديم مئات ملايين من اليورو معونات ومنح لغزة، وكأن الدمار حدث نتيجة كارثة طبيعية، وفى نفس الوقت تستمر أوروبا فى دعم علاقاتها التجارية مع إسرائيل التى تبيع لأوروبا المعلومات العسكرية والدفاعية التى حصلت عليها نتيجة لظروف الاحتلال وتحليلها لتأثير الأسلحة الجديدة التى تستخدمها ضد المدنيين الفلسطينيين، الذين تعتبرهم الصحفية الإسرائيلية بمثابة مختبر علمى. وذلك جريمة أخرى تضاف الى جرائم الحرب التى ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين.
أن محاولات إعادة إعمار غزة قبل إجراء تحقيقا دوليا حقيقيا فيما حدث بالفعل هناك خلال 32 يوما من الدك والقصف والتدمير بأسلحة محرمة دوليا، استخدمت لاختبارها، سوف يمحو كل أدلة على الجريمة البشعة التى ارتكبتها إسرائيل. كما أن التحول الى الدول العربية والمجتمع الدولى لإعادة بناء ما دمرته إسرائيل، ينفى عنها المسئولية؛ نفس تلك المسئولية التى تحملها الدولة العبرية على كل الدول الأوروبية التى كانت لها يد من قريب أو بعيد فى الجرائم التى ارتكبتها النازية ضد اليهود فى الحرب العالمية الثانية؛ ولازالت الى اليوم تفرض عليهم دفع التعويضات والاعتراف بجريمتهم والاعتذار عنها.
فان كانت إسرائيل تعمل على ألا ينسى العالم المحرقة والإبادة الجماعية ضد اليهود فى الأربعينات من القرن الماضى، فلا يجب أن ينسى العالم كل الجرائم التى يرتكبها أبناء وأحفاد ضحايا المحرقة اليهود ضد أطفال ونساء والمدنيين من الشعب الفلسطينى، ويجب أن يتحملوا مسئوليتها أمام التاريخ.