27 Dec 2012

الحسين ثائرا

تعود الينا مسرحية "الحسين ثائرا" التى كتبها المفكر المصرى الكبير عبد الرحمن الشرقاوى فى الستينات من القرن الماضى، وكأنها تتحدث إلينا اليوم فى ظروفنا الحالية. كلماتها استنطقها المفكر الكبير فى الستينات، ولكنها تفتح جراحنا اليوم، وتلقى الضوء على الأزمة التى نعيشها. "زال الطاغية المتكبر سقط الدجال الأكبر هلك الفرعون المتجبر" هكذا وصف الشرقاوى موت معاوية على لسان البعض. ولكن هناك من يريد البيعة لأبنه يزيد حتى لا يتغير الحكم. هؤلاء من قال عنهم على لسان بشر: "أنتم آفتنا الكبرى كنتم شكلا للشورى، وكان رضاكم يسبقكم لم تفتح أفواهكم أبدا إلا لتقول نعم" هكذا كان وصفه لأهل الشورى. ولكن الشعب يريد شخص اخر غير يزيد بن معاوية ليكون إماما: "رجل يعرف حق الله وحق الناس على الحاكم عميق الرحمة بالمظلوم شديد الصولة بالظالم لايبغض شيئا مثل الكيد وهو وفى بالعهد وهو أمين فى المال" هو الحسين بن على وحفيد الرسول صلى الله عليه وسلم. ولكن الحسين يقف أمام معضلة، ويبث الرسول حيرته وهو يقف أمام قبره، فيقول: "أنا لا اعرف ما أصنع من أمرى هذا فأعنٍى أنا ان بايعت للفاجر كى يسلم رأسى أو لكى يسلم غيرى.. لكفرت ولخالفتك فيما جئت للناس به من عند ربك واذا لم أعطه البيعة عن كره قتلت! واذا عشت هنا كى أحشد الناس عليه خاض من حولك بحرا من دماء الأبرياء! موقف ما امتحن المؤمن من قبل به، او سيق إنسان إليه..! امتحان كامتحان الأنبياء!" فيقرر الحسين ان يرحل عن المدينة، وهو ان يفعل ذلك فلأنه: "ما على النفس يخاف انما يشفق من ان يغلب الظلم ودولات الضلال اننى أخرج كى أنقذ أعناق الرجال أننى اخرج كى أصرخ فى أهل الحقيقة: انقذوا العالم، ان العالم المجنون قد ضل طريقه أنقذوا الدنيا من الفوضى وطغيان المخاوف انقذوا الأمة من هذا الجحيم" ويحلم الحسين بالرسول فيقول: "حلمت بجدى يأمرنى ألا أقعد عن باطل" ولكن زينب شقيقة الحسين تخاف على شقيقها وتقول: "يا أخى، اذكر اننا فى زمن لا يطلبك ... لم يعد بعد مكان لإمام او خليفة أهدرت كل التقاليد الشريفة انهم لا ينشدون اليوم الا حاكما يعطى ويمنع حاكما يعرف ما يبتاع منهم.. ثم يدفع!" "كان معاوية يصطنع بمال الدولة أنصارا" "دولة قامت على الأطماع والخوف.." "كل من صار له شئ من المال هو الان عدوك" وغادر الحسين المدينة الى مكة. وماذا بعد؟

الجماعة والتنظيم

يشيد مناصرو الاخوان والمعارضون على حد سواء، بالجماعة، فيرددون دائما الى أى حد هم منظمون، بل يذهبون الى حد التأكيد على انهم اكثر القوى السياسية فى الساحة تنظيما، وقدرة على الحشد. نعم هم بالفعل اكثرهم قدرة على الحشد، ففى ساعات قليلة يمكن للجماعة ان تحشد عشرات الالاف من جميع المحافظات وينقلونهم بالشاحنات لكى ينتخبون او يتظاهرون او يستمعون الى الرئيس فى الاتحادية. ولكن من ناحية التنظيم، ففيما يبدو انه توقف لحظة الفوز فى الانتخابات. ففى الماضى كانت لافتات الجماعة تظهر دائما وقت الازمات مثل الزلزال الذى ضرب القاهرة فى التسعينات وخرج اعضاء الجماعة من الساعات الاولى، يوزعون الطعام والبطاطين والخيام للمتضررين الذين فقدوا منازلهم. كان الاخوان اول من وصل الى المواقع، لانهم كانوا يعرفون اسلوب العمل فى الميدان، ويستطيعون حشد اكبر عدد من المتطوعين والاطعمة واحتياجات المحتاجين. كما ان نظام السمع والطاعة يجعل من السهل حشد اكبر عدد منهم فى اقل وقت؛ لذا تصور المواطنون ان الجماعة هم اكثر القوى السياسية تنظيما وقدرة على الحكم. ولكن بعدما وصلو الى الحكم، اختلفت الأمور. فلم نجدهم يهرعون الى مكان حادث اسيوط حيث لقى 51 طفلا مصرعه وتحولوا الى اشلاء تحت عجلات القطار. ولم نجد متطوعين يعملون من اجل تخفيف المعاناة عن الضحايا وعائلاتهم، او سيارات تنقل المصابين الى المستشفيات او تنقل اليهم الدواء. لم تهتم الجماعة بالمواطنين بعد ان وصلوا أخيرا الى الحكم، وحصلوا على الرئاسة والتشريع وتوغلوا فى صفوف الشرطة والقضاء ومعظم المناصب القيادية فى الجامعات وفى غيرها. تكشفت حقيقة الجماعة تدريجيا ولكن بسرعة. فهى ليست تلك التى تصورها ناخبوها: فهى ليست عالية التنظيم عندما تواجه مشاكل مصر الجمة الضخمة، وهى ليست معدة للحكم كما تدعى بعد اكثر من 80 عام من العمل تحت الارض، فالقرارات التى يتخذها ممثلوهم سواء فى التشريعية او التنفيذية مرتبكة، واولوياتهم ليست وطنية وانما تتعلق كلها بأمور هامشية تجاوزها الزمن. فبعد شهور من توليهم الحكم لم يتم اتخاذ اى قرار او اجراء ينبئ الى ان الحكومة تسير فى الطريق الصحيح من اجل التصحيح وحل بعض من مشاكلنا المتفاقمة. إن مصر ليست دولة صغيرة او هامشية إنها دولة كبيرة ومؤثرة، بها شعب عريق، عاشت طويلا وشهدت الكثير، ويجب على من يحكمها ان يكون على هذا المستوى من الحكمة والرؤية والمقدرة.