فى أول ثلاثاء من شهر نوفمبر 2006 اختار الناخب الأمريكى أغلبية مختلفة فى مجلسى الكونجرس، مجلس النواب ومجلس الشيوخ، موجها بذلك ضربة قوية لسياسات الرئيس الأمريكى جورج بوش والمحافظين الجدد، وكان أول ضحايا الانتخابات دونالد رامسفيلد وزير الدفاع، على أساس انه رمز الحرب فى العراق، ورمز الفشل الأمريكى التام فى تلك الحرب التى سيطرت على الحياة الأمريكية خلال السنوات الخمس الماضية، وخاصة على الحملة الانتخابية الأخيرة.
هذا التحول فى مزاج الناخب الأمريكى من الجمهوريين الى الديمقراطيين، ليس نتيجة أيام أو شهور، بل هو التراكم الذى تواصل على مدى السنوات الخمس الماضية، منذ حرب العراق فى 2003، وتواصل الأكاذيب من جانب الإدارة الأمريكية الجمهورية، والتى أدت الى انقسام المجتمع الأمريكى انقساما حادا فى الانتخابات الرئاسية عام 2004. ولكن رغم انتخاب بوش لفترة ثانية فى عام 2004 بدأ التوجه الى الانحدار بالنسبة للحزب الجمهورى ولحكم بوش، الى حد أن كتب ديفيد أوليف فى الشهر الحالى وقبل انتخابات مجلس النواب والتجديد لمجلس الشيوخ أنه مهما كانت نتائج الانتخابات فان المحافظين الجدد قد أنتهوا، لان التخطيط الكبير الذى خططوا له منذ عام 2001 دمر تماما. ولم يحققوا أى من أهدافهم، باستثناء العمل على انهيار مكانة الولايات المتحدة فى العالم.
فقد كان هدف المحافظين الجدد الأول هو أمركة العراق، وتوقع المحافظون الجدد انه بعد "الانتصار السهل" المتوقع فى العراق فان سائر دول الشرق الأوسط الى شبه الجزيرة الكورية سوف يتبعونها، وسوف يتبنون بسرعة السياسات الأمريكية فى الرأسمالية والديمقراطية وتأييدها لإسرائيل. ولكن يقول ديفيد أوليف، الحرب العراقية ثبتت إنها غير قابلة للفوز، وبعد خمس سنوات من الصراع، و300 مليار دولار من الإنفاق على الحرب الكارثة و400 ألف ضحية عراقية وثلاثة ألاف أمريكى، اعتبرت إنها أسوأ كارثة فى السياسة الخارجية الأمريكية منذ حرب فيتنام، وان المحافظين الجدد فقدوا الى الأبد مصداقيتهم.
وصل التحول فى المزاج الأمريكى الى الذروة فى عام 2004 فى الانتخابات الرئاسية التى فاز فيها الرئيس بوش بفترة ثانية أمام غريمه الديمقراطى جون كيرى. فى تلك الانتخابات واجه الرئيس بوش غريمه جون كيرى الديمقراطى فيما اعتبر أكثر الحملات الانتخابية عنفا، وصفتها كريستين أوكران، الكاتبة والإعلامية الفرنسية، التى قضت عشر سنوات تغطى الأحداث الأمريكية، بإنها "انتخابات واجهت فيها أمريكيتان، الواحدة تكره الأخرى كراهية شديدة لم تشهد مثلها فى التاريخ". وبعد عامين من الانتخابات الرئاسية، وصل الانقسام بين الامريكيتين الى نقطة المواجهة الحاسمة، بين أمريكا "الديمقراطية" الممثلة بأغلبية كبيرة فى مجلسى الكونجرس، النواب والشيوخ، وأمريكا "الجمهورية" التى لازالت تحكم قبضتها على البيت الأبيض، ولمدة عامين آخرين على الأقل، والممثلة فى الرئيس جورج بوش ومن يبقى من إدارته. وأصبح على الامريكتين أن يتعايشا خلال العامين المقبلين وحتى الانتخابات الرئاسية فى 2008 وتجديد مجلسى الكونجرس.
ولكن كيف سيكون طبيعة هذا التعايش خلال العامين القادمين، وحتى انتخابات 2008؟ من المتوقع أن تشهد الولايات المتحدة وخاصة سياستها الخارجية احتمالات عديدة، فمن ناحية هناك خطر أن يحدث صداما عنيفا بين الجانبين قد يؤدى الى شل السياسة الخارجية الأمريكية وبالتالى الإضرار بوضعها فى العالم؛ ولكن من جانب أخر، هناك احتمال أن يعقد اتفاقا بين الجانبين يسمح للولايات المتحدة أن تخرج بكرامة من العراق بعد خمس سنوات من الانزلاق المستمر فى مستنقع بلا قرار.
ولكن ما هى تلك الأمريكيتين اللتان ستضطران الى المواجهة خلال العامين المقبلين، والتى تكره كل منها الأخرى كل تلك الكراهية؟ من اجل فهم المجتمع الامريكى السياسى اليوم، يجب العودة الى الحملة الانتخابية الرئاسية فى عام 2004، حيث تبلور الانقسام الحقيقى بين الأمريكيتين، وتأكدت الكراهية بين الجانبين. ولفهم هذه الفترة من وجهة النظر الخارجية، نعيد قراءة كتاب "بوش- كيرى: الأمريكيتان" للكاتبة والصحفية الفرنسية كريستين أوكران، التى غطت السياسة الأمريكية لمدة عشر سنوات كمراسلة فيها، والتى تعرفها مثلما تعرف السياسة الفرنسية تماما.
أمريكا الغاضبة
تقول كريستين أوكران فى كتابها "بوش- كيرى.. الأمريكيتان" وهو الكتاب الذى صدر فى عام 2004 لتغطية الانتخابات الرئاسية الأمريكية، أن الحملة للانتخابات الرئاسية التى جرت فى عام 2004، كانت طويلة بشكل لم يسبق له مثيل، إذ استمرت نحو تسعة اشهر. خلال تلك الشهور أثيرت القضايا التى اعتبرت فى ذلك الوقت أكثرها خطورة. ففى ذلك الحين استمرت الهجمات الدموية فى العراق بشكل دورى، وتزايد عدد الضحايا من الجانبين، مما فجر غضب العائلات الأمريكية التى يخدم أبنائها فى الجيش الأمريكى فى العراق ضد الإدارة الأمريكية، مثل الام سيندى شيهان التى قتل ابنها فى العراق، وقررت بناء معسكرها أمام مزرعة بوش الى أن يجيب بوش على تساؤلاتها عن جدوى الحرب. ذلك بالإضافة الى تزايد كراهية العالم ضد أمريكا والأمريكيين الذين أصبحوا أهدافا مستمرة فى كل مكان، ذلك فى الوقت الذى كان يعانى فيه الاقتصاد الأمريكى من تناقضات العولمة، وارتفاع أسعار البترول مع استمرار تزايد الاستهلاك فى الولايات المتحدة: كل تلك العوامل كانت تثقل بشدة على المناخ العام، وبالتالى على السياسيين.
فى تلك الدولة الضخمة، دولة على مساحة قارة، لا تهتم شعوبها باختلاف أصولها، بالسياسة العامة أو بالأحزاب إلا كل أربع سنوات مع الانتخابات الرئاسية. ولكن حتى فى ذلك الحين، تقول أوكران، تتمحور الانتماءات الحزبية كل حسب التقاليد العائلية لكل شخص، وليس عن قناعة بأفكار هذا أو ذاك. ولكن فى انتخابات عام 2004 تبلورت المواقف السياسية للناخب الامريكى بشكل واضح، ربما لأول مرة منذ انتخابات فرانكلين روزفيلت إبان الحرب العالمية الثانية.
فى هذه الحملة الانتخابية لعام 2004، لم تكن السياسة هى المسيطرة، ولكن كان الغضب الشعبى هو السائد. فقد انقسم الناخبون والمرشحون الى قسمين متساويين، كل جانب يحاول إظهار الجانب الأخر فى شكل شيطانى، وكل جانب يهاجم الجانب الأخر بعنف شديد، ويدمر حججه؛ واستمرت المواجهات الدامية تتبلور فى المؤتمرات الحزبية وفى المناظرات التى جرت عبر البلاد من شرقها الى غربها ومن شمالها الى جنوبها، وعلى شاشات التليفزيون وعبر الأثير ومن خلال الانترنت، وتفجرت مشاعر الكراهية بين الجانبين، وتوجه الحديث الى الدولة والدين، وسيطر الحديث عن الله، كل المناقشات، وبات هو المحور الأساسى الذى يتمسح فيه المرشحان لكى يضمنان الفوز.
لم تكن حملة انتخابات عام 2004، وأيضا انتخابات الكونجرس فى 2006، إلا نتيجة للسنوات الأربع السابقة لحكم جورج بوش، والذى قام خلالها الرئيس الأمريكى وفريقه من المحافظين الجدد، بتقسيم البلاد. وأصبح معظم الناخبين الأمريكيين سواء يؤيد بانفعال، أو يعارض بعنف. وتعود الجميع على العنف فى الحديث، فلم يعد احد ينتقد الأخر فى أفكاره فحسب، بل تحول الى الشخصية والشكل العام وطريقة الكلام أو الصوت. كان كل مرشح مستعد لأن يقتل الأخر.
ركز الجمهورى على الأمن القومى و"الحرب ضد الإرهاب" وضرورة فرض القوانين الأمنية، وظلت عملية 11 سبتمبر مبررا لبث الخوف لدى المواطن الأمريكى، الذى يستمع للرئيس يقول: "اننى أسمعكم، العالم كله يسمعكم، وهؤلاء الذين دمورا الأبراج، سوف يسمعوننا قريبا."
ولكن الديمقراطى أدرك أن الحرب على الإرهاب لم تعد تمثل التابو، أو المحاذير، للمواطن الأمريكى، وقرر مناقشة الحرب فى العراق، ومهاجمة البيت الأبيض مباشرة، والرجل الذى، كما ردد كيرى فى أكثر من مناسبة، "لا يفتأ يكذب على الشعب الأمريكى".
فى ذلك الوقت، قسم الرئيس بوش وحدة الشعب الأمريكى التى كان قد حققها مع احداث 11 سبتمبر. وخلال الحملة الانتخابية الطويلة، اصطدمت الامريكيتان: فمن ناحية وقفت أمريكا المحافظة، الجمهورية، المتدينة، بل المفرطة فى التدين، تتلفح بالعلم الأمريكى، وترفض الإجهاض وزواج المثليين، ورفع الضرائب والبيروقراطية والتعاون الدولى والأمم المتحدة. بالنسبة للجمهوريين، جورج بوش هو البطل، وهو قائد الحرب، هو الذى التقى بالله، ويحارب الشر، ويؤمن بالعائلة، خاصة عائلته هو التى تأتى من الساحل الشرقى ومن تكساس المغروزة فى البترول.
على الجانب الأخر، تقف أمريكا الليبرالية، التى لا تعتبر نفسها أقل وطنية، ولكنها بالتأكيد أكثر انفتاحا، وأكثر تسامحا، تهتم بالحريات وبالعمل، مقتنعة بقوتها وبتفوق قيمها فى العالم، ولكنها تعمل على إيجاد وسيلة لتحسين علاقاتها مع حلفائها حتى تسير الأمور العالمية.
إنها رؤية مختلفة للعالم. ولكن، تقول كريستين أوكران، هذا العالم هو عالمنا.
التحول فى امريكا
شهد أكثر مليون مشاهد فيلم مايكل موور، "فيهرنهايت 9/11" الذى أنتقد فيها سياسة الرئيس بوش فى العراق، ومنذ ذلك الحين بدأ يحدث التحول داخل البلاد بين مؤيدين ومعارضين للحرب فى العراق. وفى يونيه عام 2004 ظهر استطلاع للرأى دق ناقوس الخطر فى المعسكرين الديمقراطى والجمهورى، فلأول مرة منذ بدء الحرب فى العراق، بدأت تظهر أغلبية من المواطنين المعارضين للحرب، وبدأت تلك الأغلبية تنتقد الإدارة التى أرسلت أبناءها للموت فى العراق بدون مبرر ، وتخشى انتقال الحرب الى الاراض الأمريكية ولا تثق فى خطاب البيت الأبيض حول سجن ابو غريب أو عن الاستقرار فى العراق.
كما أن الحسابات الاقتصادية فى ذلك الوقت لم تعد تقنع الشعب الامريكى، فان أمريكى واحد فقط من كل أربعة يرى أن الإدارة نجحت فى خلق فرص عمل، بينما أكثر من مواطن من كل اثنين يرى إنها بالعكس، المسئولة عن تسريح الموظفين. أما الاستطلاع الأخطر بالنسبة للرئيس بوش فكان ذلك الذى ظهر فيه أن 51% مقابل 32% من المواطنين يرون أن بوش قسم البلاد، بدلا من أن يوحدها، وانخفضت حصة بوش من الثقة الى 42% من المواطنين الذين شملهم الاستطلاع، وذلك فى أدنى نسبة منذ توليه الرئاسة فى عام 2000.
ذلك فضلا عن أن فى تلك الفترة بدأت تتكشف حقيقة الحرب فى العراق، التى تتناقض بشدة مع الخطاب الانتخابى: فكانت شاشات التليفزيون تظهر الواقع المأسوي للأحداث مثل ذبح الرهائن وصور سجن ابى غريب والجندية الأمريكية الشابة مع السجناء العراقيين العرايا، وصور الأمهات العراقيات يبكين أبنائهم الذين غطت الدماء جثثهم الصغيرة. كل ذلك غطى على الدعاية الانتخابية للمعسكرين الديمقراطى والجمهورى، التى بدت سطحية وبعيدة عن الواقع، والتى تتحدث عن الانتصار وعن القيم الديمقراطية للولايات المتحدة.
فى نفس ذلك الوقت، شهدت الولايات المتحدة إنقساما حادا بين القرية والمدينة: الاولى ترفض حرب العراق، وترفض الجمهوريين الذين كانوا السبب فى ارتفاع نسبة البطالة. والثانية التى تدعو الى استمرار الحرب على الإرهاب، خاصة بعد أن كانت اكبر مدينة أمريكية ضحية لهذا الإرهاب قبل ثلاث سنوات.
ولكن أمريكا والأمريكيون وجدوا ان الحزبين ورموزهما يمارسان، وبقوة، الكذب. الديمقراطيون ورئيسهم السابق بيل كلينتون الذى كذب على شعبه فيما يخص علاقاته مع مونيكا لوينسكى. بينما كذب الجمهوريون، ورئيسهم الحالى جورج بوش، فيما يخص الحرب فى العراق. فلا ينسى الأمريكيون فى فترة الحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية عام 2004 عندما نشر كاريكاتيور ظهر فيه الرئيس بوش يجلس على يديه وركبتيه تحت المكتب البيضاوى ويقول: اين تلك الأسلحة ذات الدمار الشامل؟ ليدرك المواطن الأمريكى أن الإدارة قررت خوض حربا قامت على أساس كذبة.
الإعلام يجسد الانقسام
تدريجيا بدأ الإعلام يدخل هو أيضا دائرة الانقسام الذى وقع بين الأمريكيتين. فأصبح الناخبون يختارون وسيلة الإعلام التى يشاهدونها، حسب المعايير التى يضعها أى من الحزبين. فالجمهورى المحافظ يشاهد قنوات فوكس نيوز، ويستمع الى الإذاعات التى يشارك المستمعون فيها. ومن ناحية أخرى يشاهد الديمقراطى الليبرالى القنوات والإذاعات التابعة للحكومة، وهى تلك المعروفة بأنها قنوات ثقافية لا تعتمد على الإعلانات فى التمويل، مثل قناة "بى بى أس".
ولكن وسط كل ذلك، تكشفت ظاهرة جديدة، غير مسبوقة، أدت الى تعقيد مهمة الخبراء السياسيين والمحللين وواضعى الاستراتيجيات الخاصة بالحملة الانتخابية: تلك الظاهرة هى انه وراء البطاقات التى توضح اللون السياسى للخارطة الانتخابية بالولايات المتحدة – الأزرق للولايات الديمقراطية والأحمر لتلك التى تصوت للجمهوريين- بدأ يظهر تفتت فى التوجهات السياسية والرأى العام وانقسام فى الأهداف لم يحدث من قبل.
فعلى سبيل المثال، سيدة أمريكية بيضاء، مطلقة ذات مستوى دخل متوسط، قد تتفق مع الديمقراطيين فى مسألة الاضطراب الذى أصاب السياسة الخارجية فى عهد الجمهوريين، ولكنها تتفق مع الجمهوريين حول قضايا الإجهاض، ودور الدين المتزايد. فى نفس الوقت، يمكن لرجل فقد عمله، أن يتجه الى الديمقراطيين فى التصويت رغم انه يحمل بطاقة من الحزب الجمهورى.
تراجع العقيد وصمود التحزب
وترى كريستين اوكران الكاتبة الفرنسية، فى تحليلها للمجتمع الأمريكى الجديد المنقسم، كيف أن العقائد التقليدية تغيرت، وحلت محلها معايير جديدة يختار على أساسها الناخب الامريكى معسكره. يقول أحد المفكرين الأمريكيين، يصف التغيير الذى حدث: "كلما خفت نبرة الأيديولوجية، كلما علت الروح الحزبية.. فلقد اختلف الديمقراطيون والجمهوريون دائما حول قضايا محددة ومهمة، مثل دور الحكومة المركزية، والسياسة الاجتماعية، والنقابات، والميزانية. ولكن كلينتون أدرك أن البلاد تحكم من الوسط، ومنذ ذلك الحين اضطربت المعايير، أو بمعنى أخر، حلت محلها معايير أخرى خاصة فى المجالات الثقافية وفى تحديد الأخلاقيات: مثل ألقيم والعائلة والدين.
ذلك هو الانقسام الحقيقى الذى أصاب المجتمع الأمريكى، فى نظر أوكران: الانقسام بين هؤلاء الذين يترددون على الكنائس، وهؤلاء الذين لا يترددون عليها، بين المتزوجين وبين غير المتزوجين، بين المستقرين وبين غير المستقرين".
وان كانت قضايا المجتمع هى التى تمثل الأهمية الأساسية فى انتخابات عام 2004، فلأن بوش فى ذلك الحين حاول أن يخفى بها القضية الأهم: وهى أنه والمحافظون الجدد كذبوا على الناخب الأمريكى بشأن العراق، بشأن الأسلحة ذات الدمار الشامل، وبشأن سجن ابو غريب، وبشأن استراتيجيتهم ضد الإرهاب. أما الاحترام الكبير الذى أظهره الجمهوريون للكنيسة، فقد كان بسبب رغبتهم فى كسب أصوات كل هؤلاء الذين يشعرون بنفس الاحترام. وحتى الكنائس نفسها، انقسمت بين تيار محافظ وتيار أكثر تقدمية، خاصة حول القضايا التى تخصها مثل زواج المثليين وزواج القساوسة.
انقسام حول الدين، ليس السياسة
ما هى أمريكا اليوم المنقسمة الى قسمين؟ إنها تلك المنقسمة بين المجال العام والمجال الخاص، بين شئون الدولة وشئون الدين. أن أمريكا اليوم منقسمة بين هؤلاء الذين يريدون تخصيص الأموال للإنفاق على احتياجات المجموعة، وهؤلاء الذين يريدون تخصيصها للإنفاق على الدين حتى ولو كان ليس لصالح المجتمع.
ففى أمريكا اليوم يحتل الدين مكانة كبيرة وواسعة فى المجتمع وفى السياسة. ففى عام 2004 وافق 42% مقابل 53% على أن يتحدث المرشحون عن دور الدين فى حياة الأفراد، بينما كان الفارق فى عام 1984، 22% مقابل 75%.
فى حقيقة الأمر انقسمت أمريكا حول الدين، ولكنها لم تنقسم حول السياسة. فيقول خبراء السياسة أن العالم يتصور أن فوز الديمقراطيين سوف يغير من سياسة الإدارة الأمريكية، ولكن الحقيقة كما تراها أوكران، هى أن الديمقراطيين لن يسحبوا قواتهم من العراق، ولن يصدقوا على اتفاقية كيوتو، ولا على اتفاقية محكمة العدل الدولية، وسيظلوا يؤيدون إسرائيل ضد الفلسطينيين. والفرق الذى سوف يحدد بين سياسات الحزبين وبين استراتيجيتهما فى الفترة المقبلة هو علاقة امريكا بحلفائها. فان الديمقراطيين سيسعون الى إقامة حوار معهم حول القضايا التى تهم العالم، رغم أنهم سيظلون يهتمون بتفوقهم وضرورة حماية مصالحهم فى العالم. وذلك بعكس الجمهوريين الذين، كما يقول الخبراء الديمقراطيين، قاموا بـ "خصخصة السياسة الخارجية". فقد أكد الديمقراطيون على ضرورة أن يكون هناك سياسة متعددة الأطراف، "لقد انغلق المحافظون الجدد على غرورهم، ومن الغباء التصور أننا سوف نقتل ونعتقل ونحتل أراضى كل خصومنا، الحاليين والقادمين."
ولكن اوكران تؤكد أن هناك الكثير من الأمريكيين الذين لا تخدعهم تلك الأمور. ربما لم يظهروا فى انتخابات 2004، ولكنهم ظهروا فى انتخابات الكونجرس فى 2006. وأكدوا عبر تصويتهم من اجل أغلبية ديمقراطية فى مجلسى الكونجرس أنهم لم ينخدعوا بكل تلك الأكاذيب، وأنهم يرفضون سياسة بوش والمحافظين الجدد.
لم يفز المرشح الديمقراطى فى عام 2004، ولكن الانقسام فىالمجتمع الامريكى استمر، وزادت الفجوة والعنف بين الجانبين، الى أن تجسد بعد عامين، فى انتخابات مجلسى الكونجرس التى جرت فى الأسبوع الماضى، وسيطر فيها الديمقراطيون على النواب والشيوخ لاول مرة منذ 12 عاما. بقى أن نتابع السياسة الأمريكية المقبلة، والى أى حد هذا الانقسام سوف يؤثر على السياسات الخارجية.
3 Dec 2006
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment