4 Nov 2009

صحوة العنصرية فى الغرب

تصور العالم أن انتخاب رئيس أمريكى ملون، لأول مرة فى تاريخ الولايات المتحدة يعنى أن الشعب الأمريكي قد وصل الى مستوى عال من النضج السياسى والاجتماعى وحقق السلام الداخلى بعد عقود من الاضطهاد العنصرى، والصراع الدموى من اجل حصول السود على حقوقهم المدنية. ولكن ما حدث فى الواقع هو أن العالم الغربى يشهد حاليا ومنذ نحو عام على صحوة عنصرية جديدة سواء فى الولايات المتحدة أو فى أوروبا.
فيرى بعض الخبراء فى علم الاجتماع أن انتخاب باراك اوباما رئيسا لأمريكا أدى بالعكس الى تفجر العنصرية على مختلف الطبقات؛ فقد بات لون الرئيس الأمريكى مادة للتفكه والسخرية فى البرامج الساخرة على القنوات الأمريكية التى تغطى البلاد كلها؛ كما ظهرت رسوم كاريكاتيرية عديدة تظهر اوباما فى شكل "ساحر أسود" أو يرتدى جلد قردة ويأكل الموز؛ كما بدأت تظهر مظاهر عنصرية كان المجتمع قد تصور إنها انتهت تماما، مثل اتهام رجل اسود يحاول الدخول الى منزل فى حى راق، بسرقة المنزل، بدون تصور أن هذا الرجل قد يكون صاحب المنزل لمجرد أن لونه أسود. كما أظهرت الإحصاءات تزايد عدد الجمعيات اليمينية المناهضة للسود فى العام الأخير، وتزايد نشاطهم وممارسة عمليات تعذيب واغتيال لمواطنين سود بيد البيض لأسباب عنصرية.
فى نفس الوقت ظهرت أيضا ممارسات عنصرية متزايدة فى أوروبا ضد المسلمين والعرب، كان أخرها عملية اغتيال المصرية مروة الشربينى التى لقت حتفها بيد ألمانى لمجرد إنها ترتدى الحجاب. وفى نفس الوقت نشر صحفى فرنسى من أصل جزائرى، يدعى مصطفى كيسوس، مقالا فى صحيفة لوموند الفرنسية واسعة الانتشار، والموجهة الى الصفوة و الطبقة المثقفة من متحدثى الفرنسى، عن تجربته كعربى فى المجتمع الفرنسى، وكيف أن مجرد أن اسمه "مصطفى" تتغير النظرة إليه، فيتم رفض تأجير مسكن له، بعد أن كان السكن متاحا فى مكالمة هاتفية، أو يتهم فى جريمة كان يقوم بتغطيتها بصفته صحفيا، لمجرد أن سماته عربية، أو يتشكك المصدر الذى اتفق معه على لقاء صحفى، من عمله فى صحيفة لوموند ويصر على أن يرى تحقيق الشخصية.
وقد فجر مقال مصطفى كيسوس ردود فعل واسعة النطاق، خاصة بعد تصريحات قالها وزير الداخلية الفرنسى بريس اورتوفو اعتبرت عنصرية، وتكشف من خلال التعليقات التى نشرتها الصحيفة الفرنسية فى موقعها على الانترنت الى أى مدى يشعر الفرنسيون من أصول عربية بالاضطهاد، حتى أن البعض يحاول إخفاء اسمه العربى، ووصف كيسوس تلك العملية وكأنه "اضطر لأن يبتر جزء من هويته".
مع تلك الصحوة التى أعادت الى الأذهان عصور مظلمة لم يمض عليها إلا بضعة عقود من السنين، تتردد تساؤلات حول ما أن كانت مشاعر العنصرية هى جزء من الطبيعة البشرية ام هى مشاعر مكتسبة؟ وهل تحمل الشعوب ذاكرة جماعية تتوارثها الأجيال؟ أم أن هناك إمكانية لتغيير الإدراك المجتمعى بالثقافة والعلم؟ أو فى النهاية هى عملية يمكن توجيهها سياسيا؟ أيا كانت أصول وطبيعة تلك المشاعر فإنها بالتأكيد مسألة تثير مخاوف دفينة من احتمال تكرار ماضى تصور البعض إنه انتهى بلا رجعة.