21 Apr 2011

نحو الديمقراطية

لقد اجتزنا بنجاح اول اختبار للديمقراطية منذ سنوات طويلة؛ فقد توجهنا باعداد كبيرة الى صناديق الاقتراع للتصويت على الاستفتاء حول التعديلات الدستورية، وبداخلنا شعور عميق بأننا نعمل على تشكيل مستقبلنا بأنفسنا؛ ووقف بعضنا لساعات طويلة من اجل الادلاء بصوته بدون تذمر ولا صدام مع أحد، يداخلنا هذا الاحساس الجميل بالمسئولية، والأهم من هذا وذاك اننا كنا جميعا مدركين تماما ان صناعة الحاضر والمستقبل يتم فى صناديق الاقتراع وليس فى الشارع، فقط عندما تكون الصناديق حرة، لا تقع تحت سيطرة جانب ضد جانب اخر.

ولكن الديمقراطية الحقيقية لا تبدأ وتنتهى فى صناديق الاقتراع، ولكنها تمتد الى ما بعد ذلك، لتشمل قبول الجانب الذى فاز فى الاقتراع الشعبى على الاغلبية المطلقة، على اساس ان الاغلبية المطلقة هى الوحيدة التى تفرض نفسها على كل ما عداها. لأنها فى النهاية هى رأى الشعب.

سيقول البعض ان الغالبية العظمى من الشعب جاهل لا يعرف القراءة او الكتابة. واقول ان الغالبية العظمى يجب ان تفرض رأيها على سائر الشعب ان كنا نريد الاخذ بالديمقراطية. وان كنا نريد من الغالبية العظمى ان تأخذ قرارات قوية وحكيمة تأخذ البلاد الى التقدم والنمو والرقى فعلينا ان نعمل من اجل ان تكون الغالبية العظمى من الشعب قوية وحكيمة وراقية. لأن الحكم يعكس دائما الشعب الذى يحكمه.

مبادرة "سلام" اسرائيلية؟؟

اصدرت مجموعة من الصفوة الاسرائيليين مشروع لمبادرة للسلام مع الدول العربية، قالوا فيها انها رد مباشر على مبادرة السلام العربية التى صدرت فى عام 2002 واخرى فى عام 2007، وتتساوى مع الفكرة التى طرحها الرئيس الاسبق بيل كلينتون فى عام 2000 حول قيام الدولتين. وقال البيان الذى صدر لتقديم المبادرة ان الظروف فى الشرق الاوسط تتغير: "وقلنا لأنفسنا انه حان الوقت ان يرفع الاسرائيليون اصواتهم ايضا".

هذه الوثيقة تشير الى اقامة دولة فلسطينية على "معظم" اراضى الضفة الغربية، وتكون عاصمتها "جزء" من القدس الشرقية، ويعود اللاجئون الفلسطينيون الى الدولة الفلسطينية وليس الى ارضهم الاصلية فى اسرائيل. كما تعترف المبادرة بمعاناة اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948 واللاجئين اليهود من الدول العربية؛ كما تؤكد الوثيقة على ان المجموعة تشارك المبادرة العربية للسلام فى ان "الحل العسكرى للصراع لن يحقق السلام او يمنح الأمن للأطراف المختلفة". كما تؤكد الوثيقة على ان حدود 1967 ستكون هى اساس الحدود الجديدة "مع بعض التعديلات المتفق عليها والتى تقوم على تبادل الاراضى على الا تتجاوز 7% من الضفة الغربية"، كما تؤكد انسحاب اسرائيل من مرتفعات الجولان "مع تعديلات يتم الاتفاق عليها حول تبادل الاراضى".

الهدف من اصدار تلك الوثيقة الأن كما يقول القائمين عليها: وضع نهاية للصراع العربى الاسرائيلى، وانهاء العزلة الدبلوماسية التى تعيش فيها اسرائيل الان؛ كما تستهدف المبادرة الى اسماع صوت اسرائيل لدى الدول المجاورة.

ولكن اصدرا مبادرة اليوم ردا على المبادرة العربية بعد تسع سنوات من صدورها، يلمح الى وجود أسباب غير معلنة، ومنها: خوف اسرائيل مما يجرى فى الشرق الاوسط، والذى، على غير العادة، فاجأ اسرائيل وامريكا، فكان عليهم اعادة حساباتهم.

وثانيا اكتشاف مدى العداء لاسرائيل داخل الرأى العام والشعوب العربية التى قامت بالثورات من تونس الى اليمن، مرورا بمصر والبحرين وليبيا. فكان لابد لاسرائيل ان تعيد تشكيل صورتها لدى الشعوب العربية لتبدو اكثر سلما.

وثالثا، اسفرت الثورات الى تأجيج المخاوف الاسرائيلية من تغيير الاتفاقيات التى ابرمتها مع الحكام العرب وخاصة اتفاقية السلام مع مصر والتى حسب قول الدبلوماسية المصرية الخطأ فى تلك الاتفاقية ليست البنود بقدر ما هى تفسيرها وتطبيقها المجحف ضد المصلحة المصرية.

لذلك فان اصدرا تلك المبادرة اليوم قد تعنى ان المفكرين فى اسرائيل يسعون بالفعل الى تغيير فى سياسات الدولة بعد انفجار الثورات فى الدول العربية وسيطرة الشعوب على مصائرها؛ او قد تعنى انها تنوى، كما تفعل دائما، اتخاذ موقفا عسكريا صارما من الدول العربية تسبقه باعلان نوايا حسنة حتى لا تتهم بانها داعية للحروب. ولقد فعلت نفس الشئ فى عام 2000 عندما قدم رئيس الوزراء الاسرائيلى انذاك، ايهود باراك، مبادرة سلام يتعهد فيها باقامة الدولة الفلسطينية على 90% من الاراضى الفلسطينية، وبعدها بايام دخل آرييل شارون ساحة المسجد الاقصى فى القدس القديمة بشكل استفزازى اسفر عن تفجر الانتفاضة الفلسشطينية الثانية. فبدا ان اسرائيل هى التى تمد يدها بالسلام بينما الفلسطينيون هم دعاة الحرب والعداء.

فى كلتى الحالتين يجب ان نأخذ بحرص شديد المبادرة التى طرحتها مجموعة الصفوة والمفكرين الاسرائيليين، لان التاريخ لا يشهد على أى سابقة تؤكد حسن النوايا الاسرائيلية.

محاكمة مشروعة

تتردد تساؤلات من المواطنين وبعضها تساؤلات يتخللها مسحة من الاستخفاف: هل قمنا بثورة من اجل حفنة من الأموال؟ وتساؤلات أخرى فيها مسحة من التنازلات: هل يصح ان نشمت فى الرئيس وكل من القى القبض عليهم؟

على التساؤل الاول يصح ان نقول ان المحاكمات يجب ان تتناول ليس فقط الكسب غير المشروع، ولكن كل الجرائم التى جرت فى حق البلاد والشعب المصرى طوال السنوات الماضية؛ منها ما تم من بيع أرض البلاد لأجانب منهم يهود اسرائيليين، خاصة بيع اراض فى سيناء التى استشهد الالاف من ابنائنا لاستردادها سواء قبل او بعد حرب 1973؛ فهل من الممكن ان نبيعها بالمال لشركات اجنبية او افراد اجانب؟ ومنها ما تم من بيع اصول الدولة لشركات خاصة منها شركات اجنبية، لا تسدد ضرائب الى البلاد ولا تعود ارباحها الى عجلة الاقتصاد المصرى، فيتم استنزاف دماء الاقتصاد المصرى وثرواته الى الخارج. ومنها إهدار ثروات البلاد من مياه وطاقة كهربائية لصالح حفنة من المواطنين، مثل ثروة المياه التى، حسب قول الخبراء، اننا وصلنا فيها الى كارثة حقيقية، فى الوقت الذى تهدر لصالح رى اراض رياضة الجولف فى الساحل الشمالى وفى القطامية وفى مدن سياحية اخرى، بينما لا تجد الاحياء الفقيرة المياه الصالحة للشرب وفى الوقت الذى نروى فيه الاراضى الزراعية بمياه الصرف الصحى !!!! ومنها اهدار الطاقة الكهربائية فى انارة الطرق السريعة والطرق "السياحية" والمغالاة فى انارة الشركات والمتاجر طوال الليل، بينما تنقطع الكهرباء عن المواطنين فى مختلف الاحياء ويطلب منهم ترشيد استهلاكهم!!! ومنها إهدار الاراضى الزراعية لتحويلها الى مراكز تجارية او منتجعات سياحية، واهدار التقاوى الزراعية وتحويلها من تقاوى تحمل جينات مصرية تستخدم اكثر من مرة، الى تقاوى اجنبية لا تستخدم الا مرة واحدة ويرتفع سعرها فى كل عام. ومنها القضاء على الصناعات المصرية من صناعات استراتيجية الى اخرى استهلاكية، مثل الحديد والصلب والنسيج واخرى، واستيرادها من الخارج بأضعاف الاسعار. وتتحول مصر من دولة منتجة زراعيا وصناعيا الى مجرد دولة خدمات خاصة فى مجال السياحة.

وان كنا نطالب بمعاقبة كل من اجرم فى حق الوطن، فذلك ليس معناه التشفى فى المجرمين، ولكن معناه ان يحصل كل مجرم على نصيبه من العقاب الذى يستحقه، اولا حتى يطبق القانون على كل شخص بدون استثناءات، وثانيا حتى يدرك كل مواطن اليوم وفى المستقبل ان من يخطئ ينال عقابه؛ فلا يكون هناك سابقة تعطى للسلطات فى المستقبل مبررا للفساد مرة اخرى.

وان كانت التحقيقات تتم من اجل اعادة الاموال المهربة والكسب غير المشروع فذلك اولا واخيرا هى أموال الشعب ودافعى الضرائب الذين يكدحون ويعملون من اجل اطعام اطفالهم؛ لان كل من اكتسب بشكل مغالى فيه، من عمله هو فى النهاية موظف حكومة يحصل على راتب شهرى محدد يحصل عليه من دافعى الضرائب، وهدفه تقديم خدمه للوطن، وليس رجل اعمال هدفه هو الربح. لذلك فان المحاكمات التى تجرى هى محاكمات مشروعة وشرعية