28 Nov 2006

ادانة الإبادة الجماعية.. ولكن لكل مقام مقال


معنى كلمة الإبادة الجماعية فى القواميس بكل اللغات هى "ارتكاب أى من الأعمال التالية بنية تدمير، جزئيا أو بالكامل، مجموعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية: تلك الافعال هى:- قتل أعضاء المجموعة؛ - التسبب فى الإضرار بهم سواء جسديا أو ذهنيا؛ - أو فرض أوضاع معيشية معينة على المجموعة تهدف الى تدميرهم الجسدى سواء جزئيا أو بالكامل؛ - فرض إجراءات بنية منع زيادة الأطفال فى المجموعة؛ - ترحيل الأطفال بالقوة من المجموعة الى مجموعة أخرى." وفى ديسمبر عام 1948 تبنت الجمعية العامة بالأمم المتحدة "ميثاق منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية"، وأصبح القرار ساريا ابتداء من يناير عام 1951، وتبنتها أيضا المحكمة الجنائية الدولية.
أن كانت تلك المعانى تنطبق على ما تعرض له اليهود فى ظل النظام النازى ابان الحرب العالمية الثانية، فهو ينطبق أيضا على ما حدث ضد الأرمن فى تركيا، وضد الهوتو فى رواندا وضد الجزائريين فى فرنسا، وأيضا ينطبق على ما يحدث اليوم وطوال الـ 58 عاما الماضية ضد الفلسطينيين فى الاراضى الفلسطينية.
فان ما يحدث فى الاراضى الفلسطينية منذ ما يقرب من 60 عام هو عملية إبادة مستمرة ومنهجية للشعب الفلسطينى تقوم به الحكومة الإسرائيلية أمام صمت المجتمع الدولى والمنظمات الإنسانية فى العالم، وأخر تلك الأفعال شهد عليها العالم فى بيت حنون، حيث لقى العشرات من الفلسطينيين المدنيين حتفهم من جراء القصف الاسرائيلى المستمر على منازلهم، من بينهم 18 شخصا لقى حتفه فى قصف وقع فى الفجر على المنازل الآمنة، منهم 8 أطفال و5 نساء و5 رجال. يقول الجانب الاسرائيلى أن ما حدث كان خطأ فنيا!! ووصفه البعض الأخر بأنه "حادث"!؟ ووصفه آخرون بالمأساة أو الحدث!! ورفضت الولايات المتحدة، وحدها من بين عشر دول، إدانة تلك الأعمال فى مجلس الأمن، (وهو ما لم يدهش أحد) واستخدمت حق النقض لوقف الإدانة.
ولكن أحدا فى إسرائيل أو فى الغرب لم يصف ما يحدث فى بيت حنون شمالى غزة، بأنه حلقة فى سلسلة مستمرة من عمليات الإبادة الجماعية للشعب الفلسطينى، التى بدأت منذ 58 عام متواصلة بلا توقف، والتى تستهدف "التطهير العرقى للشعب الفلسطينى". فقط إيلان بابيه، الاستاذ الجامعى فى جامعة حيفا الإسرائيلية، واحد المؤرخين الجدد الذى فتح الأرشيف الاسرائيلى ليكتشف كذب المسئولين الإسرائيليين منذ "النكبة" فى عام 1948 وحتى اليوم، الذين أكدوا أن أرض فلسطين كانت بلا شعب. وأصدر قبل أيام كتابه الجديد "التطهير العرقى لفلسطين" ان وصف ما يحدث فى فلسطين بأنه "عملية تطهير عرقى" يعنى انه إدانة المذنبين الذين قاموا بها، ليس فقط فى الماضى، ولكن أيضا فى الحاضر. وأكثر من مجرد عمليات ابادة، يقول بابيه ان التطهير العرقى فى فلسطين هى عملية تربط بين السياسات التى استخدمت لتدمير فلسطين فى عام 1948، وبين عقيدة، أو ايديولوجية، لازالت تقود سياسات إسرائيل إزاء الفلسطينيين: فان النكبة، أو "التطهير العرقى"، هى عملية لازالت مستمرة بشكل أقوى واعنف حتى اليوم. ويؤكد بابيه على أن هذا التعبير هو أكثر تعبير يصف طرد الفلسطينيين من أرضهم، منذ أن بدأت فى عام 1948 وحتى اليوم، أى طوال 58 عاما.
إن "التطهير العرقى" وألابادة الجماعية ضد فئة من البشر، هى جريمة فى كل القوانين الدولية والمحلية. ولكن لكل مقام مقال.
ففى عام 1995 أصدرت الجمعية الوطنية الفرنسية قانونا يجرم كل من ينكر وقوع الإبادة الجماعية ضد اليهود فى الفترة خلال الحرب العالمية الثانية، أو إنكار عدد ضحاياها، والذى تقول المنظمات اليهودية انه يصل الى ستة ملايين يهودى. ويعاقب القانون من ينكر الهولوكوست بالسجن والغرامة، ولقد أشاد العالم الغربى بهذا القانون عند صدوره، وعرف بقانون جيسو، وأصبح كل من يشكك فى الهولوكوست ينال عقابا رادعا ويعزل فى المجتمع الدولى. وفى شهر المايو الماضى أصدرت الجمعية الوطنية الفرنسية قانونا يدين كل من ينكر الإبادة ضد الأرمن التى وقعت فى تركيا فى الفترة من عام 1915 الى عام 1917، ويعاقبه بغرامة وبالسجن
ولكن لم تعترف فرنسا بان ما حدث فى 17 اكتوبر عام 1961 فى فرنسا ضد المتظاهرين الجزائريين يعد مذبحة وترفض الاعتذار للجزائر والجزائريين عما ارتكبته فى حقهم خلال فترة الاستعمار، كما لم يعترف المجتمع الدولى، وخاصة الاتحاد الأوروبى، بقرار الجمعية الوطنية الفرنسية واعتبر أن من شأنه أن يعرقل المفاوضات مع تركيا حول انضمامها الى الاتحاد الأوروبى. ولا يعترف المجتمع الدولى بان ما تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين هو تطهير عرقى، ولن يقره ما لم تطالب به الدول العربية وتصر على إدانة إسرائيل بكل القوانين التى ساهمت إسرائيل نفسها فى إصدارها لإدانة التطهير العرقى ضد اليهود إبان الحرب العالمية الثانية.

No comments: