2 Dec 2007

كتاب قديم جديد: اسرائيل والقنبلة النووية

عاد الحديث مرة اخرى عن القنبلة النووية الاسرائيلية، ولماذا تصر اسرائيل على عدم التأكيد صراحة على امتلاكها اياها، ولماذا لا تنفى؟ ولقد كان الكاتب والباحث الاسرائيلى افنيرى كوهين قد نشر فى عام 1998 كتابا خطيرا عن حقيقة القنبلة النووية الاسرائيلية منذ ان كانت فكرة لدى ثلاثة من زعماء اسرائيل فى نهاية الاربعينات وبداية الخمسينات، الى اليوم. وكيف ساعدت فرنسا اسرائيل فى بناء مفاعلها النووى ولماذا رفضت الولايات المتحدة فى البداية ان يكون لاسرائيل قنبلة نووية، ولماذا عادت واضطرت الى دعم اسرائيل.
ولقد نشر الاهرام عرضا من ثلاثة اجزاء للكتاب فى يناير عام 1999، وأردت ان اعيد نشره فى المدونة حتى يعرف الجيل الجديد حقيقة ما حدث وما يحدث ولماذا قررت اسرائيل ان تبقى على الغموض، فهى لا تؤكد ولا تنفى، من اجل تحقيق أغراضها. وحتى لا يفرض عليها احترام المواثيق الدولية التى يريد المجتمع الدولى فرضه على ايران والدول الاخرى. وفيما يلى العرض الذى نشر فى جريدة الاهرام فى ذلك الوقت


كتاب جديد‏:‏ اسرائيل والقنبله‏(1)‏للكاتب والباحث‏:‏ افنير كوهين
قصه البرنامج النووي الاسرائيلي‏...‏من السريه الي الانكار الي الغموض ثم اللاشفافيه

هل تملك اسرائيل القنبله النوويه؟ لا يشك احد في تلك الحقيقه‏,‏ رغم ان اسرائيل لم تعلن ابدا رسميا عن امتلاكها السلاح النووي‏,‏ ولكنها ايضا لم تنف ابدا تلك المعلومات‏,‏ بل ابقت عليها‏'‏ غامضه‏',‏ او بتعبير اخر‏'‏ لا شفافيه‏'.‏ فالغموض‏,‏ يعني الشك وعدم اليقين‏,‏ ولكن‏'‏ اللاشفافيه النوويه‏'‏ كما يقول الباحث الاسرائيلي افنير كوهين‏,‏ هي تلك الحاله عندما لا تعترف دوله بقدراتها النوويه ولكنها في نفس الوقت تظل مساله معروفه بشكل يجعلها توثر في رويه وسياسات الدول الاخري‏.‏ وبهذا المعني تصبح اسرائيل اقوي مثال علي هذا النوع من‏'‏ اللاشفافيه النوويه‏'.‏منذ نهايه الاربعينات وضعت اسرائيل والموسسه الامنيه العسكريه فيها جدارا من الرقابه علي كل المعلومات حول القدرات النوويه الاسرائيليه‏,‏ ومنعت الصحفيين او الباحثين المستقلين الاسرائيليين والاجانب من الوصول او نشر اي معلومات عنها‏.‏ الي ان سمح القانون بفتح الارشيف والملفات السريه الرسميه الخاصه بتاريخ اسرائيل حتي عام‏1966.‏ ومع فتح الارشيف التاريخي تكشف فجاه للمورخين‏'‏ الجدد‏'‏ عالم اخر لم يعرفوا عنه شيئا من قبل‏,‏ من ضمن تلك المعلومات‏,‏ مولد فكره امتلاك السلاح النووي الاسرائيلي‏,‏ والتي بدات منذ عام‏1947,‏ والاعداد لبناء المفاعل الشهير المعروف باسم ديمونه‏.‏من بين الباحثين الاسرائيليين الذين اهتموا دائما بهذا السر الكبير افنير كوهين‏,‏ الاستاذ في جامعات اسرائيل والولايات المتحده‏,‏ وصاحب العديد من الكتب حول القوه النوويه في الشرق الاوسط‏.‏ فكان فتح الارشيف بالنسبه له الفرصه الذهبيه لكي ينقب عن اصول هذا الموضوع‏,‏ ويجد الكثير من الحقائق التي ظلت سرا‏.‏ فقرر ان ينشرها في الولايات المتحده بعيدا عن الرقابه الاسرائيليه التي ارسلت له رسائل مباشره وغير مباشره تهدده بان الاستمرار في العمل في الكتاب الذي نشر بعنوان‏:'‏ اسرائيل والقنبله‏'‏ قد يعرضه لمشاكل كثيره‏,‏ وذلك رغم انه لا يفشي اسرارا‏,‏ بل يبحث في معلومات اصبحت متاحه بعد مرور الفتره القانونيه علي اخفائها‏.‏ولكن كوهين قرر ان ينفي نفسه في الولايات المتحده والا يعود الي اسرائيل حتي يستطيع ان يستكمل ابحاثه وينشر كتابه الذي يضم المعلومات التي حصل عليها من الارشيف الرسمي الاسرائيلي في القدس بعد ان فتحت كل ملفات السياسه الخارجيه الاسرائيليه حتي عام‏1966,‏ كما كشفت مفكره ورسائل بن جوريون الخاصه والسريه في مركز ابحاث بن جوريون في سديه بوكير‏,‏ والمعلومات الخاصه عن علماء الطبيعه الاسرائيليين في ارشيف معهد فايتسمان في ريهوفوت‏,‏ وارشيف ياد حاييم فايتسمان‏.‏ كما استخدم ارشيف مكتبه ليندون جونسون في اوستن‏,‏ بولايه تكساس الامريكيه‏,‏ ومكتبه دوايت ايزنهاور في ابيلين بولايه كانساس والارشيف القومي الامريكي في ميريلاند‏.‏ كما استخدم الارشيف القومي في النرويج‏.‏ وهي كلها معلومات تنشر لاول مره‏.‏ كما اضاف الي معلومات الارشيف‏,‏ المعلومات المتاحه من المذكرات الخاصه ومئات الحوارات التي اجراها مع المسئولين الذين كان لهم دورا في هذا الموضوع‏,‏ وقصاصات الصحف طوال تلك الفتره‏.‏يقول كوهين عن كتابه انه التاريخ السياسي لبرنامج اسرائيل النووي خلال سنوات تكوينه‏,‏ والاسباب التي من اجلها ابقت عليه‏'‏ لاشفاف‏'.‏ فقد اختار افنير كوهين التركيز علي البعد السياسي لهذا التاريخ‏,‏ واعاده بناء السياسات الداخليه والدوليه‏,‏ وفهم الثقافه التي جعلت من اسرائيل قوه نوويه لاشفافه‏.‏ رغم انه يوكد انه تاريخ غير كامل‏,‏ ولم يدل فيه باخر زاده‏.‏هذا التاريخ اخذ الكاتب علي مدي عشرين عاما‏,‏ من‏1950‏ الي‏1970,‏ حيث تحققت قطعه قطعه رويه ديفيد بن جوريون اول رئيس وزراء لدوله اسرائيل‏,‏ لجعلها قوه نوويه علي مدي اربع مراحل‏,‏ اذ انتقلت من السريه الي الانكار‏,‏ ومنه الي الغموض لتنتهي الي اللاشفافيه‏.‏ ومن خلال اربع مصادر‏:‏ داخليه ودوليه واقليميه وتكنيكيه‏.‏ وتاثير تلك السياسه علي الدول الاخري‏,‏ مثل فرنسا التي ساهمت في بناء هذه القدرات‏,‏ والولايات المتحده التي انتقلت من التخوف منه الي المجابهه مع اسرائيل الي قبول الامر الواقع‏,‏ واخيرا الدول العربيه التي كانت الهدف الاساسي الذي من اجله قامت اسرائيل ببناء قدراتها النوويه حسب رويه كوهين‏,‏ كما كانت السبب الاساسي في الابقاء عليها سرا‏.‏ثلاثه رجال ودولهولدت فكره اقامه قوه نوويه في اسرائيل قبل اقامه الدوله نفسها‏.‏ فقد بدات الفكره تراود ديفيد بن جوريون‏,‏ اول رئيس وزراء لاسرائيل‏,‏ منذ عام‏1947,‏ ولكنها لم تبدا في التحقق الا في منتصف الخمسينات عندما تجمعت العناصر التي حققت لها الفرصه لتظهر وفرض السريه التي احاطت بها‏.‏ وهي ثلاثه رجال‏:‏ ديفيد بن جوريون‏,‏ اول رئيس لوزراء اسرائيل‏,‏ الذي تصور ان القوه النوويه ستحل للدوله الجديده المشكله الامنيه‏,‏ وارنست ديفيد برجمان‏,‏ العالم الكيميائي الذي علم بن جوريون كل شئ عن المسائل النوويه‏,‏ وشيمون بيريز‏,‏ الذي استغل الفرصه الدوليه لتحقيق الحلم‏.‏ والدوله المتمثله في فرنسا التي اقامت علاقات خاصه مع اسرائيل في ذلك الوقت‏.‏منذ الاربعينات‏,‏ كان لبن جوريون‏,‏ رئيس الوكاله اليهوديه في ذلك الوقت‏,‏ اهتمام خاص بالطاقه النوويه‏,‏ فكان يقول ويكتب للناشئين من جنود القوات والدفاع الاسرائيليه‏:'‏ اننا نعيش في عصر الثورات العلميه‏,‏ حيث تتكشف الذره ومكوناتها المعجزه والقوه الهائله المختبئه بداخلها‏.'‏ من هنا كان اصرار بن جوريون من البدايه علي ان توسس اسرائيل امنها علي العلم والتكنولوجيا‏.‏ فكان من بن جوريون منذ منتصف عام‏1947,‏ ان وضع الابحاث العلميه الدفاعيه‏,‏ الاولويه لاسرائيل‏.‏ فاقام قسما علميا في مقر الهاجاناه‏,‏ المنظمه الدفاعيه اليهوديه شبه الرسميه‏,‏ وخصص لها ميزانيه سنويه تصل الي عشره الاف جنيه‏,‏ فكانت الميزانيه اكبر كثيرا من احتياجات القسم الي حد ان اعضاءه لم يعرفوا في البدايه كيف يتعاملون معها‏.‏ وبعد اعلان الدوله الاسرائيليه وتحول الهاجاناه الي قوات الدفاع الاسرائيليه‏,‏ اعترفت بالقسم العلمي كوحده اساسيه في قسم العمليات‏.‏ فكان مسئولا عن التنسيق وتكليف الكيان الجديد الذي يدعو هائيل مادا‏(‏ وهو كيان علمي عرف بالحروف الاولي‏HEMED).‏يقول افنير كوهين في كتابه‏'‏ اسرائيل والقنبله‏'‏ ان بن جوريون لم يشعر باي وخز للضمير ازاء احتياج اسرائيل لاسلحه الدمار الشامل‏.‏ ففي ابريل عام‏1948‏ كتب في رساله الي احد عملائه في اوروبا يطلب منه تجنيد علماء اوروبيين يهود يستطيعون‏'‏ اما زياده القدره علي القتل الجماعي‏,‏ او العلاج الجماعي‏,‏ فالاثنان مهمان‏'.‏ في ذلك الوقت كان هذا يعني اسلحه كيماويه وبيولوجيه‏.‏وفي عام‏1949,‏ وبعد الحرب العربيه الاسرائيليه الاولي‏,‏ وجد بن جوريون المبرر لتطوير تلك القدرات‏,‏ وهو الدفاع عن الدوله‏'‏ الصغيره‏'‏ التي يهددها تحالف جيوش الدول العربيه حولها‏.‏ اما الوسيله فتوصل اليها في منتصف الخمسينات‏,‏ عن طريق اقامه تحالف مع قوه او اكثر غربيه‏,‏ تستطيع ان تضمن وحده الاراضي الاسرائيليه‏.‏ كان الاختيار الاول لبن جوريون في ذلك الوقت هو عقد معاهده عسكريه مع الولايات المتحده‏,‏ ولكن منذ منتصف الخمسينات بدات الشكوك تراوده حول مصداقيه الفكره‏,‏ فقد كانت واشنطن في ذلك الحين برئاسه ايزنهاور تعمل علي وضع مشروع استخدام سلمي للطاقه النوويه في مشروع‏'‏ الذره من اجل السلام‏'‏ وادرك بن جوريون ان ذلك ليس في مصلحه اسرائيل‏.‏ كما عمل علي جمع العلماء اليهود في العالم‏,‏ اذ كتب بن جوريون قائلا‏:'‏ ما فعله اينشتاين واوبنهايمر وتيلر‏,‏ وهم ثلاثتهم من اليهود‏,‏ للولايات المتحده‏,‏ يمكن ان يفعله العلماء في اسرائيل لشعبهم‏'.‏فكان ذلك دور الشخصيه الثانيه التي ساهمت في بناء القوه النوويه الاسرائيليه ارنست ديفيد ببرجمان‏,‏ الالماني اليهودي‏,‏ الشخصيه العلميه التنظيميه التي من مهامها وضع اهداف‏,‏ وتكوين استراتيجيات‏,‏ وتكليف مهام‏,‏ وتخصيص ميزانيه‏,‏ وتعيين علماء ومديرين‏,‏ ومراقبه العمليات‏.‏ وهو الفرق ما بين رويه زعيم سياسي‏,‏ ووضع مشروع اسلحه نوويه ذي مصداقيه‏.‏في يونيه عام‏1952,‏ تم انشاء لجنه الطاقه النوويه الاسرائيليه في صمت‏,‏ وتولي رئاستها برجمان وظل في منصبه حتي استقالته في عام‏1966‏ بعد تولي ليفي اشكول رئاسه الوزاره خلفا لبن جوريون‏,‏ فلم يعد يتمتع بالثقه والسلطات كما كان في الماضي‏.‏اذا كان برجمان هو الذي اقنع بن جوريون ان اسرائيل تستطيع ان تمتلك اسلحه نوويه‏,‏ فان شيمون بيريز الذي كان في الخمسينات يشغل منصب مدير عام في وزاره الدفاع الاسرائيليه‏,‏ اعلي منصب مدني في الوزاره‏,‏ هو الذي اقنعه في عام‏1956‏ ان الوقت ازف لكي يبداوا في المشروع‏.‏ ومن البدايه كلف بن جوريون بيريز بالعمل علي تنفيذ مشروع انشاء القدره النوويه الاسرائيليه‏.‏ وكانت فكرته الاساسيه ان اسرائيل لن تستطيع بناء مفاعلها النووي وحدها‏,‏ واتجه الي بناء نوع من الشراكه مع فرنسا لامداد مفاعل اسرائيل والتسهيلات الاخري‏,‏ بما تحتاجه‏.‏ اذ قال في مذكراته‏:'‏ اصريت ان ما نحتاجه ليس اختراع شيئ اخترعه الاخرون‏,‏ التميز كان ضروريا‏,‏ ولكنه لم يكن هدفا في حد ذاته‏'.‏ فطالما ان الاخرين اخترعوا شيئا‏,‏ يمكننا شراوه منهم‏.‏في منتصف الخمسينات تجمعت كل العوامل التي جعلت من المفاعل النووي الاسرائيلي كيانا قابلا للتنفيذ‏,‏ ففي عام‏1955,‏ كان برنامج ايزنهاور الرئيس الامريكي‏,'‏ الذره من اجل السلام‏'‏ السبب في عقد موتمر جنيف حول الاستخدامات السلميه للطاقه الذريه والذي كان السبب في ان اصبحت التكنولوجيا النوويه الامريكيه التي ظلت سرا لنحو عشر سنوات‏,‏ متاحه للاطلاع عليها بعد ان كانت مقتصره علي الدول الكبري فقط‏,‏ خاصه الولايات المتحده وكندا وبريطانيا‏.‏ وفي نفس الوقت‏,‏ قامت مصر من ناحيه بصفقه اسلحه مع تشيكوسلوفاكيا في عام‏1955‏ وفي فرنسا كانت الاوضاع تتدهور في مستعمراتها في شمالي افريقيا وكانت فرنسا تري في جمال عبد الناصر القوه المحركه للثوره الجزائريه‏,‏ التي باتت خارج السيطره‏.‏ فكانت فرنسا تري ان اسرائيل قويه يمكن ان تهدد ناصر‏,‏ فكان ذلك ما دفعها الي قبول التعاون مع اسرائيل‏.‏ كل ذلك جعل المشروع النووي الاسرائيلي علي استعداد لان يولد‏.‏في ذلك الوقت كان الجدل في اسرائيل يدور حول حجم المشروع النووي الذي تنوي اسرائيل اقامته‏,‏ وبالاخص الي اي حد سيدفع الاهتمام باستخدام الطاقه النوويه في المجال العسكري الي توجيه الجهود‏.‏ هذا الجدل كان يدور وراء الابواب المغلقه‏,‏ بين صناع القرار السياسي والعلماء‏,‏ ووراء تلك الابواب كان يتم وضع نموذج للسريه واللاشفافيه التي ستميز البرنامج النووي الاسرائيلي لسنوات طويله‏.‏غداه صفقه الاسلحه المصريه مع تشيكوسولوفاكيا‏,‏ اصبحت فرنسا اهم ممول سلاح لاسرائيل وفي ربيع عام‏1956‏ توصل بيريز الي تفاهم شامل سري مع حكومه جي موليه‏,‏ تم توثيقه في موتمر سري في فيرمار يوم‏22‏ يونيه عام‏1956‏ بين كبار ممثلي العسكريه في الدولتين‏.‏ واستطاع بيريز بمساعده السفير الفرنسي في ذلك الحين بيير جيلبير‏,‏ تكوين ائتلاف موال لاسرائيل‏,‏ تختلط فيه مشاعر اشتراكيه مواليه لليهود‏,‏ ومصالح قوميه داخل الصناعات النوويه والفضائيه‏.‏ كما استغل بيريز الضعف في كيان الجمهوريه الرابعه الفرنسيه‏,‏ وتفتت موسسات فرنسا المسئوله عن اتخاذ القرارات‏,‏ واقام علاقات وثيقه مع وزراء فرنسا للدفاع والداخليه‏(‏ المخابرات‏)‏ ليتجاوز السياسات العربيه التي كانت وزاره الخارجيه تنتهجها‏.‏كما استغل بيريز فرصه انقسام السياسيين الفرنسيين بين حصول فرنسا ام لا علي طاقه نوويه‏.‏ كان المعسكر الموالي للاسلحه النوويه يعمل حثيثا وبقوه علي الموافقه علي بناء القوه النوويه الفرنسيه‏,‏ فكان سهلا علي بيريز تقديم مشروعه النووي واصبح التفاهم عميقا وسريا بين بيريز وموريس بورج مونوري وزير الدفاع الفرنسي في ذلك الحين‏.‏ ومنذ بدايه عام‏1956‏ كانت استراتيجيه بيريز تتركز في اقناع فرنسا بان تكون ممول اسرائيل النووي‏,‏ ومنح اسرائيل ما يسمح لها ببدء برنامج يهدف الي انتاج متفجرات نوويه‏.‏وامام تردد فرنسا‏,‏ التي كانت تعمل علي بناء برنامجها النووي المدني والعسكري في نفس الوقت‏,‏ قدم لهم بيريز شيئا ذا قيمه في المقابل‏,‏ اقترح بيريز علي فرنسا ان يمدهم بالمعلومات السريه حول العلاقات بين مصر والثوار الجزائريين‏.‏ لذلك قام بن جوريون بالسماح بتكوين علاقات خاصه بين اجهزه المخابرات في البلدين‏.‏ ولكن في‏26‏ يوليو عام‏1956‏ تغيرت الاوضاع‏.‏تحالف عسكري مقابل المساعده النوويهفي ذلك اليوم اعلن الرئيس عبد الناصر تاميم قناه السويس‏.‏ هذا التحدي لحكومه جي موليه سمح لبيريز بدفع التحالف الفرنسي الاسرائيلي خطوه اخري الي الامام‏.‏ في اليوم التالي جاءت الفرصه الي بيريز سريعا‏,‏ فقد طلب منه وزير الدفاع في اجتماع سري بينهما‏,‏ اذا كانت اسرائيل علي استعداد للدخول في عمليه عسكريه ثلاثيه حيث دور اسرائيل سيكون عبور سيناء والوصول الي القناه‏.‏ وقد وافق بيريز علي الفور‏.‏ وعندما انتقده مساعده علي اتخاذ قرار مثل ذلك وحده بدون الرجوع الي الحكومه الاسرائيليه‏,‏ اجاب بيريز‏:'‏ من الافضل ان اجازف براسي‏,‏ عن ان اجازف بان افقد فرصه لا تتكرر‏'.‏وقد جاءت النتيجه اسرع مما توقع‏,‏ ففي اغسطس من نفس العام وصل شالهيفيت فراير‏,‏ اول خبير اتصال علمي‏,‏ الي باريس‏,‏ وفي سبتمبر توصل الجانب الاسرائيلي والجانب الفرنسي الي اتفاق من حيث المبدا ببيع اسرائيل مفاعلا بحثيا صغيرا‏,‏ مثل المفاعل ايل‏-3‏ في ساكلي‏.‏وفي مذكراته اشار بيريز الي ان المفاعل النووي تمت التفاوض بشانه في الموتمر السري الذي عقد في سيفر بين فرنسا واسرائيل وبريطانيا‏,‏ في اكتوبر من عام‏1956,‏ في ذلك الاجتماع تم الموافقه علي التعاون معا‏.‏ وقبل التوقيع النهائي طلب بيريز ان يجتمع مع كل من موليه وبورج مونوري وحدهما‏,‏ ويقول بيريز في هذا الاجتماع تمت الموافقه علي بناء مفاعل نووي في ديمونه جنوبي اسرائيل‏,‏ وامداد اسرائيل باليورانيوم الطبيعي لتسييره‏.‏الطريق الي ديمونهالطريق الي ديمونه لم يكن ممهدا‏.‏ فقد كان كيانا ضخما ومشروعا هندسيا اكبر مما تتحمله اسرائيل في فتره نهايه الخمسينات‏.‏ كان لابد لها من امدادات ماديه وخبره فنيه‏,‏ وتمويل متاح‏.‏ كانت تلك الاحتياجات والقلق هما السبب في اللاشفافيه النوويه الاسرئيليه‏.‏في بدايه عام‏1957‏ قامت لجنه الطاقه النوويه الفرنسيه‏,‏ بتدعيم المفاعل الاسرائيلي الصغير من طراز ايل‏-102‏ ليصبح مفاعلا كبيرا ينتج البلوتونيوم من طراز مفاعل جي‏-1‏ في ماركول الذي يعمل‏(40‏ ميجاوات طاقه حراريه‏).‏ المفاعل الجديد يستطيع انتاج ما بين‏10‏ و‏15‏ كيلوجرام من البلوتونيوم سنويا‏.‏ كما طلبت اسرائيل من فرنسا التكنولوجيا الضروريه لاستخراج البلوتونيوم من الوقود المستعمل‏,‏ وطلبت ان تقوم شركه سان جوبان‏,‏ التي بنت مصنع ماركول‏,‏ ببناء مصنع كيماوي تحت الارض مرتبطا بالمفاعل‏.‏ علي ان يضم المصنع اربعه اجزاء‏:‏ مكان اعداد للوقود المستعمل‏,‏ ومعامل ساخنه لتحليل الوقود المستعمل المشع‏,‏ ومخزن للمخلفات من المفاعل‏,‏ واخيرا مصنع معالجه المواد الخام لاستخراج البلوتونيوم‏,‏ وهو ذلك البند الاخير الذي يعتبر المفتاح لبرنامج نووي ذي استخدام عسكري‏.‏ وقد تم التوصل الي اتفاق في العام التالي‏.‏تردد المسئولون الفرنسيون في ذلك الوقت‏:‏ جي موليه رئيس الوزراء وفرانسيس بيران‏,‏ الرئيس العلمي للجنه الطاقه النوويه‏,‏ وكريستيان بينو وزير الخارجيه في الموافقه علي الصفقه مع اسرائيل‏,‏ علي اساس انها مساله غير مسبوقه‏,‏ واعربوا عن مخاوفهم من ان تودي الي تدمير صوره فرنسا اذا انكشف السر‏.‏ ولكن بيريز تعهد للوزير بان المفاعل سيستخدم فقط في مجالات‏'‏ البحث العلمي‏'‏ فقام بينو بتوقيع الجانب السياسي من الاتفاقيه‏,‏ التي حملها بيريز بنفسه الي مكتب بورج مونوري الذي تولي رئاسه الوزاره الفرنسيه في سبتمبر عام‏1957‏ للتوقيع عليها‏.‏ وبناء علي طلب من بيريز حصل بورج مونوري من مكتبه علي قرار رسمي لتاكيد الاتفاقيه‏.‏ كان التاكيد مساله حيويه بالنسبه لاسرائيل‏,‏ ففي تلك الليله صوتت الجمعيه الوطنيه الفرنسيه بسحب الثقه من حكومه بورج‏-‏مونوري‏.‏السريه التامهوهكذا تم التوقيع علي اتفاقيه ديمونه في‏3‏ اكتوبر عام‏1957‏ علي اساس وثيقتين‏.‏ يقول افنير كوهين الكاتب‏,‏ انه تم الابقاء علي الوثيقتين سرا حتي الان‏,‏ ومن المنتظر ان تستمر لفتره قادمه‏.‏ ولكن عرف الكثير منها لنعرف انها تعتبر نقطه تحول اساسيه في طريق اسرائيل نحو مكانتها كقوه نوويه لاشفافه‏.‏ كما قال بيير جيوما رئيس لجنه الطاقه النوويه الفرنسيه ان‏'‏ عمليه ديمونه ابقي عليها سرا بدرجه ان‏.‏ لا احد يعرف الحقيقه كامله‏.‏ فمن الصعب تحديد ما حدث‏,‏ لانه وقع علي مستويات مختلفه‏:‏ علي مستوي الدوله‏(‏ رئاسه الحكومه والوزراء ولجنه الطاقه‏)‏ وعلي مستوي رجال الصناعه‏.‏يضم الاتفاق وثيقتين‏,‏ الاولي سياسيه والاخري فنيه‏.‏ اما الوثيقه السياسيه فكانت غير واضحه وتتناول الالتزامات القانونيه علي الاطراف المعنيه‏.‏ وتعهد بيريز فيها ان تكون اهداف اسرائيل سلميه‏,‏ وان تقوم اسرائيل باستشاره فرنسا في اي عمل دولي يتعلق بديمونه‏.‏ اما الوثيقه الفنيه التي وقعها روساء لجنه الطاقه النوويه الفرنسيه واللجنه الاسرائيليه لم تتناول مسائل عديده‏.‏ كما ان التفاهم الاساسي حول مشروع ديمونه لم يتم وضعه علي ورق‏,‏ ولكنه ظل تفاهما شفويا بين افراد‏.‏ وفي عدد من المسائل لم تعكس الوثائق المكتوبه الواقع‏.‏ فيقول المسئولون ان الوثائق تشير الي ان قوه المفاعل ايل‏-102‏ تصل الي‏24‏ ميجاوات‏,‏ بينما المصادر توكد انه اقوي من ذلك مرتين او ثلاث مرات‏.‏ولاسباب امنيه‏,‏ كانت عمليات ايل‏-102‏ التابعه لسوسييتيه الزاسيان‏,‏ الشركه الصناعيه المعماريه الاساسيه لمشروع ديمونه‏,‏ والتي كانت تتعامل مع‏'‏ العميل‏'(‏ الاسم السري للجنه الطاقه النوويه الاسرائيليه‏)‏ والمقاولين تجري عملياتها من خلال واجهه لكيان مالي تكونت لذلك الهدف‏.‏ وكان اكثر البنود سريه مساله مصنع معالجه المواد الخام الذي لم يذكر قط في الوثائق الرسميه‏.‏ فقد تم توقيع علي العقد الخاص بهذا المشروع مع المصنع مباشره‏,‏ سان جوبان‏,‏ الذي كانت معاملاته مع العميل الاسرائيلي تتم من خلال كيان اخر يدعي‏'‏ الشركه الصناعيه للدراسات والبناء الكيماوي‏'‏ والتي لا تذكر اسرائيل كعميل في الاوراق الرسميه‏.‏نظرا لحجم المشروع واهدافه‏,‏ والطريقه غير التقليديه التي تم تكوينه بها وادارته من خلالها‏,‏ كان المسئولون الاسرائيليون يعملون علي ابقاء حجم المشروع سرا حتي علي كل من يعمل في المشروع نفسه‏.‏ فقد تمت الصفقه الاسرائيليه الفرنسيه بينما فرنسا كانت متردده حول برنامجها هي العسكري النووي‏,‏ وبينما كان بعض من اصدقاء اسرائيل في فرنسا مترددين حول عواقب التعاون‏,‏ وبينما كان المسئولون السياسيون الفرنسيون في حاجه الي مساحه من الانكار اذا كشفت الصفقه‏,‏ وبينما حكومات الجمهوريه الرابعه كانت تتوالي‏,‏ والاداريون يشعرون بالقلق ازاء المستقبل‏,‏ وبينما كان الموالون للتحالف الاسرائيلي‏-‏الفرنسي علي الجانبين يشعرون ان التحالف غير طبيعي وهو قصير المدي نظرا لاهتمام فرنسا التاريخي بالعالم العربي‏.‏ لكل تلك الاسباب كان لابد من الابقاء علي المشروع النووي الاسرائيلي في حاله لاشفافيه‏.‏كان المسئولون الفرنسيون المتورطون في مشروع ديمونه يدركون ما هو‏,‏ رغم ذلك فقد اصر وزير الخارجيه الفرنسي الذي ادرك طبيعه المشروع الغير مسبوقه‏,‏ علي ان توقع اسرائيل اتفاقيه تنص علي ان التعاون بينهما محصور في مسائل البحث العلمي فقط‏.‏ واضطرت اسرائيل للتوقيع‏.‏ ويقول كوهين ان تلك لم تكن المره الاولي التي لا تجد اسرائيل اختيارا اخر امامها الا ان توافق علي شئ لا تستطيع ان تلتزم بتنفيذه‏.‏ظلت الصفقه سريه حتي عام‏1960,‏ عندما كشفت الولايات المتحده عن وجودها‏.‏ وذلك ما سنتناوله في الحلقه الثانيه‏.‏

No comments: