13 Jan 2007

كتب: الجانب الاخر فى اسرائيل 2


يهودية بريطانية تقرر البحث عن "وجه" العربى الإسرائيلى
العلاقة بين إسرائيل والعرب تماثل الابرتايد فى جنوب أفريقيا العنصرية
الحكومات الإسرائيلية غذت الخوف ضد العرب ليبقوا فى مجتمعات منعزلة

أعلن فى الأسبوع الماضى أن حزب العمل الإسرائيلى سوف يعين لأول مرة وزيرا عربيا، يدعى غالب مجادلة، من الحزب فى الحكومة الإسرائيلية التى يرأسها إيهود أولمرت، وزيرا لشئون العلوم والرياضة. ولقد قوبل الخبر بالكثير من الانتقاد من قبل أعضاء الحزب وأعضاء الكنيست، كما أثير جدلا كثيرا وتساؤلات من قبل العرب الذين انتقدوا مجادلة منذ أن انضم الى الحكومة أطلق عليها حكومة حرب بعد أن ضمت من بين وزرائها افيجدور ليبرمان الذى يطالب بتهجير العرب من إسرائيل.
ولقد زعم البعض أن تعيين وزيرا عربيا هى محاولة من حزب العمل لكسب أصوات فى الانتخابات الداخلية القادمة. بينما أكد العرب الإسرائيليين أن غالب لا يمثل العرب فى إسرائيل لأنه أولا عضوا فى حزب صهيونى ويمثل الحزب، كما انه لا يمثل المصالح الحقيقية للعرب الإسرائيليين. وأخيرا قال البعض الأخر أن وجود غالب فى حكومة تضم الوزير العنصرى ليبرمان يكفى لكى لا يثق فيه العرب.
هذه الثقة المفقودة بين العرب الإسرائيليين والحكومة الإسرائيلية ليست بدون أساس. بل هى النتيجة الطبيعية لنحو ستين عام من السياسة الصهيونية التى استهدفت فى الأساس طرد الفلسطينيين من أرضهم سواء إجبارا أو طواعية، من اجل فتح الباب لليهود فى الخارج الى العودة الى إسرائيل. ومن بين هؤلاء اليهود كانت سوزان ناثان، البريطانية التى قررت فى عام 1999، وبعد أن تجاوزت الخمسين من عمرها أن تترك وطنها بريطانيا لكى تمارس حقها فى "العودة" الى إسرائيل.
تقول ناثان فى كتابها "الجانب الأخر من إسرائيل"، والذى عرضنا جزء أول منه فى الأسبوع الماضى، أن عودتها الى إسرائيل كانت نقطة تحول فى نظرتها الى إسرائيل التى كانت قد تشكلت خلال وجودها فى بريطانيا، وتكونت من صور الهاربين من الهولوكوست فى أوروبا وهم يغادرونها فى السفينة الشهيرة "إكزودوس" متوجهون الى إسرائيل، ثم رجوعها بهم بعد أن غيرت بريطانيا رأيها تحت ضغط من الحكومات العربية. كما تشكلت الصورة من مظاهر العداء للسامية التى قابلتها فى بريطانيا فى طفولتها فى الفترة بعد الحرب العالمية الثانية. لذلك فعندما جاءت الى إسرائيل، تقول ناثان أن ذهنها كان ملئ بالأفكار الرومانسية حول العقيدة الصهيونية والدولة اليهودية، وكانت تؤمن أن الدولة اليهودية قامت على ارض خالية، عقيمة "أرض بلا شعب، من اجل شعب بلا أرض". وكانت تصدق ما يقال من أن الشعب اليهودى قام بزراعة الأرض وجعل الصحراء تزدهر، وملأ منطقة خالية فى الشرق الأوسط بالكيبوتز، أى المزارع الجماعية التى كانت تعتبر الأساس الذى قامت عليه الدولة اليهودية.
لم تتصور سوزان ناثان أن فى تلك البلاد التى رسمت لها صورة مثالية، هناك يعيش شعب أخر، ولكنه معزول تماما عنهم. وان هناك أكثر من مليون عربى يشاركون اليهود الدولة، الفلسطينيون الذين بقوا فى الأرض بعد حرب 1948، وأصبحوا مواطنين إسرائيليين بالصدفة، وليس عن قصد. هؤلاء العرب الإسرائيليين ظلوا بالنسبة لناثان "غير مرئيين" كما هم لكل الإسرائيليين اليهود الآخرين. وظلت ثقافاتهم ومجتمعهم وقصتهم فى غموض.
كانت الصدمة الأولى، بالنسبة لناثان، التى اكتشفت وجود عرب فى الدولة الإسرائيلية عندما اضطرت الى التوجه الى المستشفى لعلاج عينها. وهناك، "رأت" مجموعات أخرى من الإسرائيليين لم تكن تراهم من قبل: عرب مسيحيين، دروز، مسلمين. معظمهم من هؤلاء الذين كان يطلق عليهم "العرب الإسرائيليين".
أما الصدمة الثانية فقد تلقتها فى نفس المستشفى حينما رأت سيدة من اليهود المتشددين تحمل طفلها الذى يبلغ شهرا من عمره، ولقد أجرى لتوه عملية فى عينه، وفى المساء جاء زوجها يزورهما. كان زوجها يرتدى الطاقية اليهودية، وتتدلى على جانبى وجهه خصلتا الشعر، وعلى كتفه يحمل بندقية وفى جانبه مسدسا، وهو زىَ المتعصبين من اليمين المتشدد الإسرائيلى. كانت صدمة ناثان كبيرة عندما رأت رجلا مسلحا يدخل مستشفى يرقد فيها نساء وأطفال، وما أثار دهشتها مرة ثانية، إنها هى الوحيدة فى العنبر التى اعتبرت المسألة كلها غريبة.
وفى حديث معه، تكشف لناثان مدى التعصب الذى يسيطر على فكره، وكيف انه لا يتحرك بدون سلاح، وعندما اقترحت عليه أن يعيش فى الحى اليهودى فى القدس، أجابها قائلا: "القدس كلها ملكا لليهود".
فى تلك اللحظة أدركت ناثان أن هناك من "يسرق" مساكن العرب فى الجانب الفلسطينى من القدس، الجزء الذى احتلته إسرائيل بعد حرب 1967، رغم أن هناك مناطق شاسعة من البلاد يستطيع أن يسكن فيها. كما أدركت ناثان أن فى إسرائيل مجتمعات أخرى كثيرة تعانى من المشاكل والمصاعب فى العيش، مثل المزراحى، وهم اليهود العرب، الذين جاءوا من دول شمال أفريقيا والعراق وسوريا ومصر، ويعاملون كدرجة أدنى عن يهود أوروبا الاشكينازى، الذين يحكمون البلاد. ولكن ما أثار اهتمام سوزان ناثان هم العرب الإسرائيليين السكان الأصليين. وانطلقت التساؤلات: اين يعيشون؟ ولماذا ظلوا فى الخفاء طوال عامين كاملين منذ أن أقامت سوزان ناثان فى إسرائيل؟ لماذا ظلوا بلا وجه، بلا كيان، بلا أى وصل معها رغم عملها فى الشأن العام؟ لذلك رحبت ناثان بأول زيارة من خلال عملها لقرية عربية، قرية تامرا التى قررت أن تقيم فيها فيما بعد، وعندما دخلت تامرا للمرة الاولى شعرت إنها انتقلت الى إسرائيل أخرى، إسرائيل لم تراها من قبل، تقع فى الجانب الأخر منها.

قرية خارج الزمان والحدود
لم تنته الصدمات التى كانت تتلقاها سوزان ناثان فى بحثها عن العرب الإسرائيليين. فكانت أول تجربة لها فى زيارة قرية عربية إسرائيلية من أكثر التجارب قسوة. تقول سوزان انه لم يكن من الممكن أن تصدق إنها، حال خروجها من الطريق السريع الرئيسى، وبالقرب من مدينة الخليل التى يعيش فيها اليهود الأغنياء، سوف تجد نفسها فى مكان داخل إسرائيل، ولكنه مختلفا تماما عن أى مكان أخر. ستجد نفسها فى قرية عربية تعيش خارج الزمن وخارج الحدود الوهمية الإسرائيلية.
فى قرية تامرا تجسدت أمام عينا ناثان كل الاختلافات الذى فرضتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على المجتمعات العربية. فقد كان من الواضح أن القرية تعانى من كثافة سكانية عالية، كما كان من الواضح الاختلاف فى المصادر المحلية والاستثمارات، وفى المناخ العام الذى يسود القرية من الإحباط واليأس، بسبب الإهمال الذى تعانيه من الحكومة والمسئولين. لقد كانت زيارة ناثان لقرية تامرا من الأمور التى أثارت اضطرابا كبيرا لديها، فقد أعادت لها صورة أخرى من الماضى، صورة التفرقة العنصرية، الابرتايد، التى شاهدتها فى جنوب أفريقيا فى أثناء أقامتها هناك فى طفولتها، نفس رائحة القمع فى تامرا وفى قرى السود فى جنوب أفريقيا.
وفى لقاء مع أستاذ جامعى عربى، الدكتور أسد غانم، احد كبار الأساتذة العرب الإسرائيليين، تحدث عن التمييز الذى يعانى منه العرب الإسرائيليون على جميع المستويات وفى جميع المجالات: العمل والتعليم وتخصيص الاراضى والميزانية المحلية. ولكن أكثر القضايا صعوبة كانت مسألة الاف المساكن التى تعتبرها الدولة غير قانونية، والمهددة دوما بالهدم. ففى تامرا وحدها هناك 150 مسكنا يواجه قرار الهدم. فتقوم الشرطة باستهداف منزلا من مساكن العرب، وتأتى البولدوزرات فى الفجر لتهدم المنازل غير القانونية. وتقول ناثان أن هدم المنازل التى أحيانا تعلو أربع طبقات، يعنى تشريد عشرات العائلات الكبيرة، ومئات الأفراد، فى لحظة.
ومن حديثها مع الدكتور غانم اكتشفت ناثان كذب السلطات الإسرائيلية التى كان تؤكد أن العرب بنوا منازلهم بشكل غير قانونى لأنهم لا يريدون تسديد ثمن التسجيل أو لأنهم يبنون منازلهم على أراضى حكومية. ولكن الدكتور غانم شرح لناثان أن لا احد من العرب يريد أن يستثمر أمواله كلها فى بناء منزل يعرف انه سوف يهدم فى أى وقت، بل أن الواقع الذى لا تعرفه سوزان هو أن العائلات العربية اضطرت الى بناء منازلها بدون ترخيص لان فى معظم الاحيان الدولة ترفض اعطائهم التصاريح، وان منزله هو شخصيا بنى بدون تصريح بناء وانه مهدد بالزوال فى أى لحظة، رغم أن الارض ملكا لعائلته لعدة أجيال من قبل. وعندما قرر البناء رفضت الدولة إعطاءه التصريح، واضطر منذ ذلك الوقت دفع غرامة تصل الى 15 ألف جنيه استرلينى فى كل مرة لكى يوقف قرار الهدم. وتحولت حياتهم الى عملية روتينية من دفع الغرامة لمنع الهدم، وكأنها أتاوة تطالب بها الدولة الإسرائيلية حتى لا تنفذ قرار الهدم. ورغم الغرامة إلا أن أهل المنزل يعيشون فى خوف وعدم أمان دائم من أن يستيقظوا يوما على صوت البولدوزر، أو أن يعودوا بعد العمل الى المنزل فلا يجدون إلا أطلال.
وأدركت سوزان ناثان أن هذه السياسة التى تتبعها الدولة الإسرائيلية ضد العرب الإسرائيليين ما هى إلا محاولة أخرى لدفعهم الى مغادرة البلاد. إنها سياسة التطهير العرقى مرة أخرى!! فان الدولة تفرض على عائلة غانم والاف العائلات العربية الأخرى أن تعيش فى خوف مستمر من الهدم والتشريد، وفرضت على أبنائهم أن يكبروا فى مناخ من الخوف المستمر من ان يعودوا الى المنزل يوما ما ويجدوا بدلا منه أطلال.

الهجرة الى ومن إسرائيل
من الأمور التى كانت تؤرق سوزان ناثان فى علاقاتها مع العرب الإسرائيليين هو التساؤل الدائم عن الأسباب التى دفعتها لأن تمارس حقها فى العودة الى إسرائيل؟ وقالت ناثان إنها أدركت فجأة، وبقسوة، أن قرارها ذلك، مثل قرار الآلاف الآخرين، كان على حساب ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون حتى الآن فى معسكرات لاجئين فى أنحاء منطقة الشرق الأوسط. وقررت ناثان أن تبحث وتعرف ما الذى حدث بالفعل. وبدأت تقرأ كل ما يأتى فى طريقها حول وضع العرب الإسرائيليين، وتسأل كل من تعرفه من اليساريين ومن الحكومة. ولكن كل الإجابات التى كانت تأتيها من أصدقائها الذين من المفترض أنهم على علاقة طيبة مع العرب الإسرائيليين، أنهم على علاقة طيبة مع صاحب المطعم العربى الفلانى لان مطعمه جيد، أو مع صاحب ورشة أصلاح سيارات فى قرية عربية لان أسعارها رخيصة. ولكن عندما كانت تسألهم ناثان عما يتحدثون مع أصدقائهم العرب، وأى قضايا يتباحثون فيها معا؟ كانوا ينظرون اليها بدهشة وكأنها كائن غريب، ويقولون لها أن علاقاتهم مع العرب الإسرائيليين لا تصل الى هذا المستوى.
وبسرعة شعرت سوزان أن العلاقة بين اليهود والعرب فى إسرائيل هى نفسها علاقة السيد والخادم التى كانت سائدة فى جنوب أفريقيا العنصرية. ولمدة أسبوع عاشت سوزان ناثان فى معاناة كبيرة وكأنها كانت "فى حالة تنقية نفسها من الأكاذيب التى عاشت عمرها تسمعها وتصدقها". وشعرت أن الدولة الإسرائيلية تدفعها الى تغيير أسلوب حياتها، والى اختيار أى جانب من إسرائيل تعيش فيه؟ كان عليها أن تختار إما أن تعود لتعيش فى تل ابيب وتتجاهل مثل سائر اليهود، المأساة التى يعيش فيها العرب، أو أن تجعل من حياتها معنى، وتعمل على توضيح الواقع والعمل على تغييره؟
لم يكن الاختيار صعبا. فلم يكن من الممكن لسوزان ناثان أن تستمر فى المعيشة مع الإسرائيليين فى تل ابيب، كانت علاقاتها معهم تخنقها، حسب تعبيرها. ولذلك عندما جاءتها الفرصة لتخرج من تل أبيب وتعمل فى تامرا كمدرسة فى مؤسسة ابن خلدون، لتعليم اللغة الإنجليزية لأصحاب المهن، لم تتردد فى أخذها. كما لم تتردد فى السكن مع عائلة ابو حجاز فى منزلهم الذى يقع على التل وسط المدينة.
لم تدرك ناثان مدى تأثير قراراها على أصدقائها اليهود، فتقول إنها فقدت أصدقائها اليهود ما بين ليلة وضحاها، فقد اعتبر اليهود ان ناثان خرجت من الفريق، من الجماعة، وبذلك أصبحت ضدهم، طبقا للقاعدة التى تقول: "من ليس معنا فهو ضدنا". ولكن بالنسبة لناثان كان المهم هو الإنسان، وليس المؤسسات أو الشعارات، وكانت تريد من خلال عملها وإقامتها كيهودية فى قرية عربية أن تثبت أن الخوف الذى يفصل بين الجانبين ليس حقيقيا ولا واقعيا. ولكنه خوف قام على الجهل، هذا الجهل بالأخر الذى تعمل الحكومة الإسرائيلية على تشجيعه بين مواطنيها اليهود، حتى يظلوا يعيشون منفصلين عن جيرانهم العرب.

وحدهم الضحايا
بعد تفكير طويل حول الأسباب التى تدفع اليهود الإسرائيليين الى التمسك بسياسات وعقيدة دولتهم مهما كانت، ويظلوا سجناء تلك المعتقدات مهما حدث، سواء كانت على حق أو على خطأ، وجدت ناثان أن ذلك يعود الى شعور اليهود العميق بفكرة التضحية التى شكلت تاريخهم سواء من القمع أو الاضطهاد أو الهولوكوست. هذا التاريخ جعل اليهود يرون أنهم وحدهم الضحايا فى هذا العالم، سواء كأفراد أو كمجتمع إثنى، وتفشى هذا المعتقد بين اليهود فى إسرائيل وفى أنحاء العالم، بين الفقراء والضحايا وحتى بين اكثرهم نجاحا فى الغرب. ومن خلال تلك العقيدة قام اليهود ببناء عالم "أليس فى بلاد العجائب"، ورغم أنهم بنوا دولة قوية تملك رابع اقوى جيش فى العالم، وترسانة نووية كبيرة ولكن غير معلن عنها حتى اليوم، إلا أنهم لازالوا يعيشون فى شعور جارف بانهم مهددون بالقضاء عليهم سواء من جيرانهم العرب أو من تبقى من الفلسطينيين الذين يعيشون فى الأراضى المحتلة.
ولقد استغلت الحكومات الإسرائيلية المقاومة العربية والعمليات الانتحارية التى يقوم بها الفلسطينيون لكى يغذوا دائما هذا الشعور بانهم "وحدهم الضحايا"، وهو ما منعهم من رؤية الصورة الكاملة الكبيرة لما يحدث بالفعل.
ولكن استطاعت سوزان ناثان أن تنتشل نفسها من هذا الشعور، لأنها عاشت ترفض فكرة الخوف من الأخر. وقررت أن تعيش مع العرب فى قراهم وبأسلوب حياتهم، وان كان اصدقائها اليهود قاطعوها لهذا القرار، فانها لم تجد ترحاب كبير فى البداية من جانب العرب، أو بالاصح قوبل قراراها بالشك فى نواياها من البداية. إلا إنها استطاعت بسرعة أن تزيل الشكوك وتكسب صداقة زملاءها و"عائلاتها" العربية كما يحلو أن تصفها كلما تحدثت عن العائلة التى تسكن فى منزلهم.

التمييز العنصرى ضد العرب
أدركت سوزان ناثان بعد أقامتها وسط العرب أن هناك سياسة إسرائيلية منهجية تستهدف دفع العرب الى الهروب من وطنهم الى الخارج. من بين تلك السياسات "التمييز فى التعليم". فمن خلال صديقة عربية تدعى زينب، عرفت ناثان أن الدولة تعطى المجتمعات العربية ميزانية ضئيلة للمدارس العربية، وتتكدس المدارس والفصول الدراسية بالتلاميذ، وتختصر ساعات التعليم، وتفرض المواد التى يجب تدريسها فى المدارس العربية، وتمنع بعض المواد، لا تمنع من المدارس اليهودية، ومراقبة المدرسين المعينين ومديرى المدارس مراقبة شديدة، ورفد أى مدرس أو مدير مدرسة معروف عنه اهتمامه بالقضايا العربية والتاريخ الفلسطينى.
وان كانت القوانين تفرض على كل مدرسة فى إسرائيل أن يكون لها جهاز تبريد فى الصيف، فان المدارس العربية تستثنى من هذا القانون لان الميزانية لا تسمح، كما لا تسمح الميزانية لشراء أجهزة الكمبيوتر، مثلما يحدث فى المدارس اليهودية، ويصبح على عائلة التلميذ شراء تلك الأجهزة والكتب أيضا.
لماذا يجهل اليهود كل تلك المشاكل؟ أو لماذا يتجاهلونها؟ حتى فى المنظمات الأهلية حيث تجرى لقاءات ومناقشات، تمنع الدولة مناقشة بعض الموضوعات مثل الموضوعات السياسية، لذلك فشلت تلك المؤسسات والجمعيات والمنظمات أن تستمر بعد الانتفاضة الثانية لان كل الموضوعات التى تفصل بين المجتمعين غير مسموح مناقشتها.
كما لاحظت ناثان أن اليهود المشاركين فى تلك الجمعيات غير مؤهلين لكى يقوموا بالتضحية من اجل التوصل الى حلول وسط. فقد كانوا يعيشون فى خوف من أن يؤدى دعم المساواة مع العرب الى القضاء على هوية الدولة اليهودية التى يريدونها. لذلك فان كل محاولات اليساريين من اليهود وأصحاب المنظمات التى تدعو الى السلام، لم يصلوا الى حد المطالبة بالمساواة مع العرب، وخذلوا أصدقائهم من العرب الذين تصوروا أنهم مختلفون.

سفينتا العودة والخروج
من بين أكثر الصور التى ظلت تؤرق سوزان ناثان فى حياتها الجديدة وسط العرب الإسرائيليين، تلك التى قصها عليها احد أصدقائها العرب من التاريخ، لتكشف لها إنها عاشت حياتها تسمع عن التاريخ اليهودى فى فلسطين بدون أن تعرف شيئا عن الشعب الفلسطينى ولا ثقافته، كما لو كانت بلا أهمية.
تلك الصورة تجسدت أمام ناثان عندما قرأت السيرة الذاتية للدكتور مفيد عبد الهادى الذى عاش فى القدس مع أسرته لمدة أجيال عديدة. فى السيرة جزء يصف هروب عائلة الدكتور عبد الهادى، مع عدد كبير من اللاجئين من فلسطين فى عام 1948، بعد أن أعلن عن قيام دولة إسرائيل. وفى نهاية الفصل يصف عبد الهادى السفينة "الملك فؤاد" التى حملت اللاجئين الفلسطينيين الى السويد، بعضهم خرج نهائيا تاركا وراءه أرضه وأصدقائه وأسرته. وعندما بدأت "الملك فؤاد" تبحر فى البحار الى السويد، تصادف إنها التقت مع سفينة أخرى متجهة الى الاتجاه المعارض، الى ارض فلسطين، تحمل على متنها المئات من اليهود يغنون ويرقصون فرحا بالتوجه الى "أرض الميعاد". وكتب عبد الهادى يقول: "عند مرورنا بالسفينة الأخرى، رفع الركاب فى سعادة بالغة، علم إسرائيل". إنها سفينة "اكزودوس" التى ألهمت سوزان ناثان فى طفولتها، وشجعتها على أن تتجه الى إسرائيل يوما ما لممارسة حقها فى العودة كيهودية.
وأدركت سوزان أن اليهود الإسرائيليين غير قادرين على مواجهة أو التعامل مع الجذور الحقيقية للمشاكل فى الشرق الأوسط، أو قبول دورهم فى المعاناة التى يشعر بها الفلسطينيون. ويظل اليهود يعتبرون ضحية معاداة السامية سواء فى أوروبا أو فى الدول العربية. ويعتبرون أى شخص يتهم اليهود أو الإسرائيليين باضطهاد العرب، بأنه معادى للسامية.