5 May 2008

جريمة العصر

كل شخص يملأ خزان سيارته بالوقود، يجب أن يفكر انه بذلك يحرم شخص أخر من الطعام لمدة عام كامل. فمن المتوقع أن يتحول هذا العام مئة مليون طن من الطعام الى وقود للسيارات، فى محاولة للاستغناء عن البترول الذى وصل سعر البرميل منه الى أعلى معدلات له، واستخراج وقود حيوى لا يلوث البيئة.
وكانت النتيجة الطبيعية لمثل هذا القرار هو ارتفاع أسعار الطعام الأساسى مثل القمح والذرة والأرز، والتى تعرف بالمواد الاولوية الغذائية، الى معدلات فلكية عانى منها 37 دولة فى أنحاء العالم تمثل 89 مليون نسمة، وبالتالى توالت المظاهرات العنيفة فى كل مكان أسفرت عن وفاة العديد من المتظاهرين، مما أدى الى موجة من عدم الاستقرار كان أول ضحاياها رئيس وزراء هايتى.
ولقد تفاوت موقف المحلليين السياسيين من قرار استبدال البترول بالطعام كوقود، فيرى البعض أن تلك هى الوسيلة الوحيدة من اجل خفض التلوث المناخى مؤكدون أن الأزمة الغذائية ستستمر لفترة مؤقتة، الى أن يعود التوازن مرة أخرى بين الإنتاج والاستهلاك. وقال الرئيس البرازيلى لولا دا سيلفا أن أسعار الطعام لم ترتفع بسبب الوقود الحيوى، ولكن بسبب تزايد عدد المستهلكين للطعام فى الصين والهند وافريقيا وأمريكا اللاتينية.
ولكن من ناحية ثانية، يرى البعض الأخر أن الولايات المتحدة والبرازيل، هما اكبر مسئولين عن تلك ألازمة، التى قاموا باصطناعها حتى تستطيع أمريكا مواجهة تزايد أسعار البترول بدون أن تخفض استهلاكها من الطاقة. ويرى هذا الفريق أن الولايات المتحدة تدعم استراتيجية من شأنها أن تقود جزء كبير من البشرية الى كارثة حقيقية وصفها جان زيجلر مفوض الأمم المتحدة الخاص من اجل الحق فى الغذاء بأنها "جريمة ضد البشرية". فقد أكدت منظمة الغذاء العالمية أن إنتاج الوقود الحيوى سوف يمنع الشعوب الفقيرة فى العالم الثالث من الحصول على ما يحتاجونه من الطعام. ويؤكد هذا الفريق من المحلليين السياسيين أن النتائج الاجتماعية لهذه السياسة ستكون كارثية، فى الوقت الذى يعانى فيه 854 مليون نسمة بالفعل من الأزمات الغذائية.
ورغم أن المنظمات المالية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية، اظهرا تعاطفا وحذرا العالم من مغبة تزايد أسعار الطعام الأساسى، مؤكدين أن الوضع قد يؤدى الى اندلاع حربا دامية، إلا أن فى حقيقة الأمر، تلك المنظمات هى نفسها التى ساعدت على تفاقم المشكلة. فان سياسة الاحتكار الزراعى التى يقودها الاتحاد الأوروبى فى أفريقيا، والمضاربات فى البورصة العالمية على المواد الاولوية، بالإضافة الى السياسة الاقتصادية التى تقودها الإدارة الأمريكية ومنظمة التجارة العالمية، هم السبب الرئيسى فى الأزمة؛ والحل الذى تسعى منظمة مثل الأمم المتحدة تطبيقه سيكون وسيلة أخرى لتزايد الضغوط على مئة مليون نسمة فى العالم الفقير، فقد أعلنت المنظمة الدولية أن برنامج الغذاء العالمى سوف يخفض نسبة ما يقدمه من طعام فى المدارس لأفقر الأطفال فى العالم. هؤلاء الفقراء الذين يعانون أولا من الأزمة، وثانيا من وسائل حل الأزمة التى خلقها الإنسان، والعالم الغنى. وتلك هى جريمة العصر.

No comments: