22 May 2008

تغيير النظم



لم يتوان الرئيس الأمريكى جورج بوش فى كلمته فى مؤتمر ديفوس بشرم الشيخ، أن يهاجم الثلاثة: حماس وحزب الله وإيران، ملمحا الى أن الدور جاء عليهم لتنفيذ عملية التغيير بعد العراق وأفغانستان، لتحقيق صورة "الشرق الأوسط الكبير" الذى طرحته الإدارة الأمريكية قبل نحو خمس سنوات.
لذلك فليس من المستبعد أن نفسر ما حدث فى لبنان مؤخرا، بأنه محاولة جديدة فى عملية تغيير النظم السياسية فى منطقة الشرق الأوسط بعد المحاولات الفاشلة العديدة التى قامت بها أمريكا وإسرائيل خلال السنوات القليلة الماضية.
ففى الوقت الذى علت فيه الأصوات تندد بقرار حسن نصر الله رئيس حزب الله، دخول بيروت بقواته وسلاحه ردا على قرار وليد جنبلاط زعيم الدروز، بإيقاف مسئول حزب الله فى المطار وإغلاق وسائل الاتصالات التابعة لحزب الله؛ خرجت أصوات أخرى تشير الى أن ما حدث فى بيروت هو محاولة من البيت الأبيض لدفع حسن نصر الله الى ارتكاب الأخطاء، مثل المحاولة السابقة مع اغتيال قائده العسكرى عماد مغنية فى دمشق، ودفع نصر الله الى أن يتوعد إسرائيل بالحرب المفتوحة، وذلك من شأنه ان يعطى أمريكا المبرر لتأمر تدخل قوات حلف الاطلنطى فى لبنان للقضاء على حزب الله والانتقام لإسرائيل.
كانت الولايات المتحدة تأمل أن يقوم نصر الله بالاستيلاء على السلطة وقتل، بل ذبح، كبار قيادات الحكومة اللبنانية، وهى كلها أسبابا قوية لتدخل قوات الأطلنطى تحت زعم حماية الديمقراطية والحكومة اللبنانية.
ولكن خلال ثلاثة أيام انقلبت كل الموازين وبدلا من تنفيذ الدعاية التى بثها الإعلام الامريكى، والتى أكدت أن قوات حزب الله نظمت انقلابا عسكريا وأنها تسيطر على منطقة غرب بيروت، أتضح أن قوات حزب الله لم تقم إلا ببعض المعارك القصيرة ضد مصالح عائلة الحريرى فى غربى بيروت، ولكنها انسحبت بسرعة من المنطقة وسلمت مقاليد الأمور الى الجيش. وبذلك يتضح أن هدف حزب الله لم يكن الاستيلاء على السلطة. وهكذا سحب نصر الله السجاد من تحت أقدام أمريكا وإسرائيل.
نفس الشئ يحدث بشكل يومى فى غزة، حيث تعمل أمريكا وإسرائيل على تأجيج الصراعات والانقسامات بين فلسطينى غزة والضفة الغربية، أو بين فتح وحماس، لأول مرة فى تاريخ الصراع الفلسطينى، بسبب فوز حماس بالأغلبية الساحقة فى انتخابات عام 2006. وتستمر الضغوط على حماس يوما بعد يوم سواء عن طريق الحصار السياسى والاقتصادى، أو من خلال الهجمات العسكرية ضد المدنيين الفلسطينيين من اجل القضاء عليها تماما سواء داخليا أم خارجيا.
ليس هناك أى مفاجأة فى محاولات أمريكا تغيير النظم قسرا فى منطقة الشرق الأوسط، فقد قامت بالمثل فى مناطق أخرى وعصور أخرى، مثل إيران عام 1953 وجواتيمالا عام 1954، وغيرها مثل كوبا وتشيلى وبنما وصوماليا، وتطول القائمة. ولكن المفاجأة أن ينجح المستهدفون فى إفشال الخطة، والتمسك بالوحدة الداخلية. فان أهم صفات القائد الحقيقي هو توقع تحرك الخصم، ووأد خطته وأهدافه للمصلحة القومية.

No comments: