31 Dec 2019

كتب: الجانب الاخر من اسرائيل (1)

رحلة فتاة يهودية عبر خط التقسيم الإثنى: العربى/اليهودى


قال الصحفى البريطانى جوناثان ديمبلبى عن كتاب "الجانب الأخر من إسرائيل": "انه يثير اضطرابا عميقا ويجب أن يقرأه كل شخص يريد أن يفهم حقيقة الحياة بالنسبة للعرب الإسرائيليين". فان الكتاب هو قصه كاتبة بريطانية يهودية، تعيش فى لندن، الى أن قررت فى عام 1999 أن تمارس حق "العودة" الى "الوطن" إسرائيل، وهو الحق الذى تمنحه الدولة الى كل يهودى فى جميع أنحاء العالم. ولكن بعد عدة أشهر من وصولها الى تل أبيب، قررت سوزان ناثان أن تأخذ خطوة جريئة، وتتخذ قرارا غير مسبوق، وهو عبور خط التقسيم الإثنى بين اليهود والعرب الإسرائيليين، والانتقال الى الجانب الأخر من إسرائيل والإقامة فى مدينة تامرا، وهى مدينة صغيرة تضم 25 ألف مواطن اسرائيلى، عربى مسلم. وبسرعة تقول سوزان إنها اكتشفت أن الخط الإثنى، رغم انه خط وهمى، إلا انه قائما وصلبا مثل الجدار الصلب والأسلاك الشائكة التى قامت الدولة الإسرائيلية ببنائها بينها وبين الضفة الغربية وغزة لتفصل الفلسطينيين عن الإسرائيليين.
فى سرد أدبى، قصت سوزان ناثان قصة انتقالها الى تامرا لتدريس اللغة الإنجليزية فى مدارسها، ولتعيش مع عائلة ابى حجاز، مع الأم "الحاجة" وأولادها وأحفادها وأفراد عائلتها الكبيرة الآخرين، وجيرانها ومعارفها؛ وكيف استطاعت سوزان خلال تلك السنوات التى عاشتها فى "الجانب الأخر من إسرائيل" أن تحدد هويتها اليهودية والإسرائيلية، والإنسانية. وتضع أمام القارئ الغربى والاسرائيلى اليهودى الصورة الحقيقية لفكرة مغلوطة، شكلها الخيال اليهودى الإسرائيلى عن مواطنيهم العرب، وعاشوا بهذه الفكرة المغلوطة وبنوا عليها كل سياساتهم الاجتماعية اللاحقة.
تقول سوزان فى البداية كيف كان قراراها بمثابة الصدمة بين أصدقائها وعائلتها اليهودية الإسرائيلية. "لماذا تريدين الإقامة فى تامرا؟"، "ولكنهم مسلمين!!؟؟" كانت تلك هى الجملة التى ترددت كلما ذكرت سوزان إنها سوف تنتقل للإقامة فى تامرا، وحتى سائق السيارة الأجرة، رفض عبور الخط الوهمى، وسائق الشاحنة التى نقلت أثاثها الى منزلها الجديد، سارع بالخروج من المدينة ولم يعد مرة أخرى لجمع الصناديق التى كانت تضم أغراضها، خوفا من "العرب". كانت الكلمات التى تتردد بين أصدقائها عندما أخبرتهم بقرارها، كانت: "ولكنها منطقة عربية؟!" "لماذا تريدين الإقامة هناك؟"، "لأن ذلك هو ما أريده"، "ولكنها منطقة عربية!".. "!! "سوف يقتلونك!! سوف يعتدون عليك!!" ويهمس أحدهم قائلا: "هل معك سلاح؟"، ويهمس أخر: "لدى رقم تليفون احد الأصدقاء فى الجيش الإسرائيلى، إتصلى بى فى أى وقت وسيعمل على إنقاذك من هناك!!" أعتبر أصدقائها من اليساريين قراراها بأنه إما نتيجة لعدم فهمها للوضع فى الشرق الأوسط، أو انه مجرد محاولة من شخص غير ناضج، لجذب الانتباه.
وقصت سوزان كيف كانت رحلتها فى السيارة حتى تامرا. قال لها سائق السيارة الأجرة، شاهير، لقد درست المكان جيدا، وحددت الطرق التى يمكن أن نمر بها بدون أن نضطر الى المرور بالقرى العربية فى الطريق"، وردت عليه سوزان بدهشة: "ولكننا نتجه الى قرية عربية!! لماذا يجب علينا أن نحتاط فى الطريق اليها!؟"
تقول سوزان ناثان عن رحلتها: "أن الطريق الى الجانب الأخر من إسرائيل لا يحمل علامات، انه طريق لا نقرأ عنه كثيرا فى الصحف أو نسمع عنه فى أخبار التليفزيون، انه طريق غير مرئى لمعظم الإسرائيليين." فى هذا الطريق لاحظت سوزان أن العلامات الخضراء كانت واضحة على طول الطريق المؤدى الى المناطق الشمالية المتجهة الى حيفا وعكا وكارميت، المدن الإسرائيلية اليهودية، وحتى القرى اليهودية الصغيرة مثل شلومى وميسجاف. ولكن عندما بدأت السيارة تتجه الى تامرا، اختفت العلامات الى أن بدأت تخرج عن الطريق السريع وتعبر القرى الصغيرة، ورأت مرة أخرى علامة صغيرة تشير الى مدينة تامرا. وعندما اتجهت السيارة الى هذا الاتجاه امتد أمامها طريق نصف ممهد، وفى المدينة "العربية" كان هناك طريقا واحدا ممهدا يؤدى الى المسجد الرئيسى فى وسط المدينة، ومنه الى طريق صغير وضيق يعلو الى تل الى أن وصلت الى مقر إقامتها الجديدة.