31 Dec 2019

رواية: أولاد الناس.. ثلاثة المماليك



تعتبر رواية "اولاد الناس.. ثلاثية المماليك" من أفضل الروايات التاريخية التى كتبت فى السنوات القليلة الماضية، سواء على مستوى تأريخ لهذه الفترة التى لم نكن نعرف عنها شيئا؛ أو من الناحية اللغوية، حيث ان الكاتبة ريم بسيونى استخدمت لغة عربية راقية سواء فى وصف الحروب أو الحب والعلاقات الحميمية؛ أو فى وصف الشخصيات وتطورها مع مرور السنوات، فلم يشعر القارئ فى أى لحظة، طوال مئات الصفحات، بالملل أو بأن الكاتبة فقدت حماسها فى أى فترة. 
ولكن أرادت دار النشروأساتذة التاريخ والآثار تصوير التاريخ بشكل مغاير عما كان حقيقة،؛أو بشكل أخر، حاولوا المغالاة فى رفع شأن هذه الفئة من الناس ألا وهم المماليك. فتحاول الدعاية التى تقوم بها دار النشر والمسئولة عن التحرير فيها إظهار المماليك وكأنهم أبطال مصريين، جاءوا ليدافعوا عن مصر، وعاشوا فيها وشييدوا المساجد الرائعة مثل مسجد السلطان حسن والسلطان برقوق، وغيرهم من المساجد؛ وأكدت أن ذلك هو الدليل المؤكد على أنهم مصريين حقا. 
وعن المذابح البشعة التى أرتكبوها ضد بعضهم البعض من أجل السلطة، حيث كان الأخ يقتل أخاه والأبن أباه، والصديق صديقه، من أجل سلب السلطة والاحتفاظ بها، فقد برر أحد  أساتذة التاريخ ان ذلك لا يدينهم، فهم "بشر" فى النهاية. 
ولكن هؤلاء نسوا بعض النقاط الأساسية فى تقييم التاريخ، خاصة البعيد منه، أهمها أن علينا تقييم التاريخ كما حدث بدون رتوش هنا أو هناك، لأننا عندما نقيم تاريخا فإننا نراه بعقلنا وليس بمشاعرنا؛ فليس هناك مجال لأن نحب أو نكره هذا الحاكم أو ذاك، وليس هناك مجال لأن نسرد السلبيات فقط أو الايجابيات فقط، ونبرز تلك او نقصف تلك الأخرى. لذا فعندما نتحدث عن عصر المماليك يجب الالتزام بعدة نقاط أساسية، وهى: 

1- المماليك يعنى عبيد، صحيح أن وضعهم لم يكن مثل وضع العبيد الأفارقة على سبيل المثال، فى الولايات المتحدة او فى سائر دول أوروبا، ولكنهم مثل سائر العبيد جئ بهم من مختلف البلدان، وسيقوا الى أسواق العبيد ليباعوا ويشتروا؛ لذا فليس لهم جذور فى الدول التى سيقوا اليها. 
2- هؤلاء المماليك جئ بهم أطفالا حتى يمكن تربيتهم وتعليمهم فن القتال ليكون ولاءهم فى البداية والنهاية للحاكم او القائد الذى علمهم ورباهم، وليس للدولة التى يعيشون على أرضها. لذا كان ولاء المماليك لأمراءهم وليس لمصر، وكانوا يحاربون من أجل المكاسب الشخصية التى سيحصلون عليها وليس من أجل الدفاع عن مصر. 
3- هؤلاء المماليك ليسوا مصريين، ولا يعنى تشييد المساجد أنهم أصبحوا مصريين. فالمصرى هو من يعتبر نفسه مصريا، فينصهر مع الشعب المصرى، يتحدث لغته ويعانى مع ابناءه ويفرح معهم. المصرى الحق هو من لا يتعالى على الشعب المصرى ولا يحتقره، كما كان يشعر المماليك تجاه المصريين. حتى هؤلاء الذين يتزوجون منهم، يفعلون ذلك زيادة فى إهانتهم حتى وان كان القلة فقط هم من يحب حقيقة. ففى "أولاد الناس" يتزوج الامير محمد المملوكى مصرية، ثم يحبها ويعشقها، ولكنها تظل فى عيون عائلته "من العامة" لا تستحق الاحترام . 
4- ونحن، او طبقة معينة منا، نفعل الأن المثل، فنهين الشعب المصرى كما كان يفعل المستعمر معتبرين أنفسنا ورثة المستعمر. فنكيل للشعب المصرى كل الاهانات، كما تحاول مسئولة التحرير فى دار النشر ان تفعل عندما ركزت على حديث الامير محمد مع زوجته المصرية عندما تساءل ان كان الشعب المصرى مدرك الخطر الذى يحيق به من الخارج، فأجابت بأن الشعب المصرى يدرك فقط أخطار الفقر والاوبئة" وقالت المسئولة ان ذلك يدل على ان الشعب المصرى لا يرى الا تحت أقدامه. ولكنها لم تدرك هى نفسها أن الفقر والأوبئة كانت أخطارا حقيقية وواقعية بالنسبة لأبناء الشعب البسيط، والتى كانت تحصد مئات الآلاف من الأرواح كل عام. أما الأخطار التى تترصد بهم وراء الحدود حسب قول المملوك، فهى أخطار بعيدة عن حياتهم اليومية. 

إن لتقييم فترة المماليك علينا وضعهم فى إطارهم الحقيقى والواقعى، وليس فى صورة مبالغ فيها من الروعة وكأنهم أبطال حقيقة. لأن للأسف معظم المصريين حاليا، خاصة من أطلق عليهم أنصاف المثقفين يصدقون تلك الصورة ويرددونها وكأنها حقيقة بدون التأكد منها أو التحقق من أصلها.

No comments: