11 Feb 2008

عقيدة الصدمة



أصبحت "الديمقراطية" و"السوق الحرة" كلمتا السر فى أى محاولة للتدخل فى شئون دول العالم الثالث، وبهما يستطيع الحاكم الغربى إقناع الرأى العام لديه بأن حكوماته تتدخل فى العالم انطلاقا من قيم حضارية سامية. ولكن فى كتاب جديد صدر للكاتبة الصحفية الكندية ناومى كلاين، يتضح لنا أن السوق الحر لم يولد من الديمقراطية بل عبر صدمات كهربائية.
فقد اوضحت الكاتبة الصحفية ناومى كلاين فى كتابها "عقيدة الصدمة.. صعود رأس المال الكارثة" أن أفكار السوق الحر انتشرت خلال الـ 35 عاما الماضية، مع كل كارثة طبيعية أو مالية أو اقتصادية تشهدها منطقة ما فى العالم، خاصة الفقيرة منهم؛ مثلما حدث فى تايلاند غداة التسونامى الذى شهدته فى عام 2004 وفى ولاية نيو اورليانز الأمريكية غداة الإعصار الذى حول الولاية الى مستنقع، أو حتى غداة هجمات 11 سبتمبر فى نيويورك وواشنطن. وأحيانا ينتشر رأس المال بقوة السلاح كما حدث فى تشيلى فى عام 1973، وفى العراق الآن، فى محاولة لإرهاب الرأى العام.
نحن نعلم لماذا يحدث ذلك، ولكننا لا نعرف كيف؟ وتشرح كلاين أن التدخل يحدث عبر استغلال الفترة التى تعقب الكارثة مباشرة حين يكون المواطنون فى حالة صدمة وحزن وخوف، وحيث تنقلب كل القيم والظروف فيفقدون البوصلة والاتجاه، ويصبح الشعب فى وضع لا يستطيع أن يكون له رد فعل. فى تلك الحالة يصبح من السهل تغيير قواعد اللعبة، ويجد المسئولون انصياعا من المواطنين لتغيير الواقع.
واكبر مثال على حقيقة تلك الفكرة هو ما يحدث فى العراق اليوم. فمن وجهة نظر كلاين أن الفوضى العارمة التى تشهدها العراق، والدور الذى تلعبه شركات المقاولات المدنية خاصة شركة هاليبرتون، ثم بفضيحة سجن أبو غرايب، وزيادة القوات الأمريكية، والأنفاق الهائل الذى تشهده البلاد دون عائد أو تحقيق مشاريع حقيقية، كل ذلك يعمل فى اتجاه واحد: الربح السريع والكبير.
وتشرح الكاتبة قائلة: "يقوم المقاولون الكبار بفتح مكاتب لهم فى المنطقة الخضراء (التى يقيم فى داخلها السفارة الأمريكية وكل الأجانب الدبلوماسيين ومحاطة بقوات امنية قوية) أو حتى فى مدينة الكويت أو عمان، ثم تقوم الشركة بإعطاء توكيل لشركات كويتية التى من جانبها تقوم بتوكيل شركات سعودية التى تقوم أخيرا بتوكيل شركات عراقية من كردستان، للقيام بالمهام. ولكن الشركة العراقية لن تحصل إلا على الفتات من العقود، بينما الشركات الأخرى خاصة الشركة الاولى، شركة هاليبرتون، هى التى ستجنى كل الأرباح، والتى سوف يحصل على نصيبه منها ديك تشينى نائب الرئيس الامريكى بسبب صلته الوثيقة بالشركة. بينما تظل العراق دولة فقيرة تقع تحت طائلة الديون.
ولكن كيف يمكن للشعوب أن تتحصن ضد تلك الصدمات؟ تقول كلاين أن من المتوقع دائما أن تزول أثار الصدمة بعد فترة من الوقت، ولذلك فان على الأفراد أو الشعوب أن تدرك ما يحدث لها خلال فترة الصدمة، وان تبقى يقظة لمقاومة ما يحدث.
ولنتذكر على سبيل المثال كيف تعاملت الصين مع زلزال مدمر أصابها منذ سنوات، وادى الى خسائر بشرية ومادية هائلة، فى تلك الفترة تقدمت كل الدول الغربية تعرض مساعداتها المادية، ولكن السلطات الصينية أعلنت للشعب إنها لن تقبل أية مساعدات خارجية وان الشعب سوف يعتمد كليا على نفسه للخروج من الأزمة. ان موقف الصين فى ذلك الحين ليس فكرا منفصلا أو وقتيا، ولكنه منهجا سارت عليه عبر تاريخها المعاصر، ولذلك أصبحت الصين اليوم من بين الدول الفقيرة سابقا، التى من المتوقع أن تصبح ثالث اكبر قوة اقتصادية وسياسية فى العام الجديد.

No comments: