22 Feb 2008

عندما يتحول الاسف الى غضب



التاريخ لا يموت، بل يظل يطارد الشعوب الى أن تقوم بالتصالح معه، فتتمكن تلك الشعوب من تجاوز آلامها وتنظر الى المستقبل. ولكن بعض الشعوب لا تتصالح مع التاريخ وتظل معلقة به، تتذكره وتفرضه على الشعوب الأخرى، لكى تشعر دوما بالذنب. من أمثال هؤلاء، الشعب اليهودى الذى حذره آرون غاندى رئيس "معهد غاندى من أجل اللاعنف" بمدينة ممفيس بالولايات المتحدة، وحفيد الزعيم الهندى الكبير المهاتما غاندى، من أن تعلقه بالمحرقة النازية ورفضه لأن يسامح ويمضى قدما، سوف يحول الأسف لما حدث لليهود إبان النظام النازى الى غضب. وأشار غاندى الى أن أي قوم يرتبط بالماضى، لن يستطيع أن يتقدم الى الإمام، خاصة عندما يؤمن بأن استمراره يعتمد فقد على الأسلحة والقنابل. وقال غاندى فى المدونة أن ما يفعله اليهود هو أفضل مثل على قيام مجتمع ما على إعادة استخدام تجربة تاريخية الى حد أن تبدأ فى إثارة اشمئزاز الأصدقاء. وحذر غاندى من أن الأسف الذى تريد إسرائيل أن يشعر به العالم، قد يتحول يوما ما الى غضب.
جاء هذا التحذير من أكثر الشخصيات سلما، فى مدونة جريدة الواشنطن بوست بمناسبة الاحتفال هذا العام بمرور 60 عام على قيام دولة إسرائيل، وأيضا على مصرع زعيم اللاعنف فى العالم، المهاتما غاندى. ولكن دعوة غاندى الحفيد الى اللاعنف واجهتها حملة عنف وكراهية شديدة من قبل اللوبى الإسرائيلى فى الولايات المتحدة. واشتدت شراسة الحملة ضد رئيس معهد اللاعنف الى أن اضطر الأخير الى الاستقالة من منصبه، ثم نشر بيانا يعبر فيه عن أسفه أن أدت كلماته التى كان يهدف منها الدعوة الى التسامح، الى إثارة الألم، وقال أنه استخدم لغة تتناقض مع مبدأ اللاعنف. ولكن اللوبى الإسرائيلى الامريكى لم يقبل الاعتذار ولم يتوقف عن حملته ضد غاندى، ووجه إليه التهمة الكلاسيكية: وهى تهمة معاداة السامية.
هناك سببان لكراهية اللوبى الإسرائيلى لشخص آرون غاندى: السبب الأول هو انه وضع إصبعه على المشكلة الحقيقية لإسرائيل والمنظمات اليهودية العالمية، وهى سعيها المستمر فى التذكير بالماضي حتى يظل العالم يشعر بالذنب تجاه ما فعله النازيون ضد اليهود؛ وحتى تتمكن إسرائيل من فرض رغباتها وسياساتها فى التوسع واستمرار احتلال أراضى الشعب الفلسطينى، على العالم، على اعتبار إنها الضحية.
أما السبب الثانى، فهو يمتد الى أكثر من ستين عام، عندما حاولت المنظمات اليهودية العالمية، قبيل إعلان قيام الدولة اليهودية، الحصول من الزعيم الهندى المهاتما غاندى على تأييده للحملة التى كانوا يقومون بها والتى تدعو الى احتلال ارض العرب وتحويل فلسطين الى وطن قومى لليهود. ولكن غاندى رفض تأييد المشروع، واعتبره ظالم، وأصدر بيانات تؤكد تأييده لحركة المقاومة التى بدأها الشعب الفلسطينى والتى وصفها الإسرائيليون والأمريكيون على إنها "إرهاب".
إن التاريخ لا يموت، فقد عادت روح المهاتما غاندى تطارد إسرائيل من خلال غاندى الحفيد. ففى عام 2004 زار غاندى تل أبيب حيث التقى بالعديد من النواب البرلمانيين الذين برروا بناء الجدار العازل وتصعيد ترسانتهم العسكرية بأنهم يعملون على حماية أنفسهم. فرد غاندى عليهم قائلا: "أتعملون على بناء مستشفى للأمراض العقلية فيها العديد من المرضى، وتتصورون أنهم سوف تعيشون فيها فى أمان؟ أن بقيامكم ببناء ترسانة عسكرية ضخمة، واستخدام الأسلوب الذى تتعاملون به مع جيرانكم، سوف تخلقون مستشفى للأمراض العقلية". ونصحهم قائلا: "أليس من الأفضل أن تتصالحوا مع جيرانكم وهؤلاء الذين يكرهونكم؟ ألا تستطيعون بناء علاقات طيبة مع جيرانكم؟" ولكن سياسات إسرائيل لن تتغير، وسيظل اللوبى الإسرائيلى فى أمريكا يطارد كل من ينتقد الدولة الإسرائيلية. ولكن الخوف أن تتحقق تحذيرات غاندى ويتحول الأسف، يوما ما، الى غضب.


No comments: