3 Dec 2006

كتب:الحرب الكبرى من اجل الحضارة: ابادة الارمن فى تركيا

كتب: الحرب الكبرى من اجل الحضارة

إبادة الأرمن فى تركيا واقع مسجل فى وثائق رسمية وصحفية
ألمانيون نازيون شاركوا فى المذابح وطبقوا الوسائل ضد اليهود
الحلفاء عرفوا بالجرائم وتخلوا عن الأرمن بكل قسوة
إسرائيل والغرب ينكرون الهولوكوست الأرمينى ويعتبرونه مجرد مأساة

عرض وتقديم: ليلى حافظ
وافقت الجمعية الوطنية الفرنسية بالأغلبية على مشروع قانون جديد يجرم إنكار إبادة الأرمن فى تركيا العثمانية عام 1915 والتى راح ضحيتها مليون ونصف المليون من الأرمن. هذا القرار أثار غضب تركيا غضبا شديدا، لأن أغلبية أعضاء الجمعية الوطنية من أعضاء حزب الرئيس الفرنسى جاك شيراك، "الاتحاد من اجل حركة شعبية" وبالتالى فان الرئيس الفرنسى هو المسئول الأول.
وبغض النظر عن الأسباب الداخلية التى دفعت الحزب الحاكم الذى يرأسه أحد المرشحين الأساسيين فى الانتخابات الرئاسية ضد شيراك، الى تمرير مشروع القانون اليوم، فان قرار الجمعية الوطنية فتح الباب أمام صفحة مهمة فى تاريخ السنوات الاخيرة من تاريخ الدولة العثمانية، رجل أوروبا المريض، وبداية الدولة التركية، وهى صفحة تريد تركيا اليوم إغلاقها للأبد، بينما تظل هى الحجرة العثرة التى قد تمنع تركيا من الانضمام الى الاتحاد الاوروبى كما تسعى منذ سنوات.
فما هى حقيقة أحداث 1915 وأهميتها فى تارخ تركيا؟
مرة أخرى نستعين بكتاب روبرت فيسك الكاتب الصحفى ومراسل صحيفة الاندبندنت فى لبنان والشرق الأوسط، "الحرب الكبرى من أجل الحضارة"، لكى نعرف تاريخ الإبادة التى تعرض لها الأرمن فى تركيا، فى فصل أطلق عليه عنوان: "الهولوكست الأول"، أول إبادة منسية فى العالم.
قد ترفض تركيا الاعتراف بإبادة الأرمن ولكن روبرت فيسك، الكاتب والصحفى البريطانى، اكتشف المقابر الجماعية على تلال مارجادا غربى الصحراء السورية، بينما كان يتفقد المكان مع مصورة الصحيفة إيزابيل السون، التى كشفت عن هول الصدمة عندما وجدت جمجمة بشرية تبرز عبر الشقوق التى انزاح عنها التراب بسبب الأمطار التى هطلت فى مسار النهر هابور الذى جف مع مضى السنوات، فى ذلك النهر القيت الجثث والأرمن الأحياء لكى يغرقون فى مياهه. وبعد مرور نحو 80 عام عثر على الجماجم ثم عظام هيكل عظمى، ثم جمجمة أخرى وعظام أخرى ثم أخرى، مع كل حجرة يقلباها وكل سنتيمتر من الأرض، تكشفت أمام عيونهما العشرات بل المئات والالاف من هياكل عظمية كانت لجثث بشرية قتلت فى فترة حالكة من فترات الإرهاب التركى ضد الأرمن فى عام 1915. فقد قام المسئولون الأتراك فى ذلك الوقت بتقييد الالاف من الأرمن نساء واطفالا ورجالا، لكى يموتوا غرقا. ويقول فيسك فى كتابه كيف أن العظام كانت تتلاشى بين اصابعهما كلما أخرجاها وتختفى "بنفس السرعة التى تريد الحكومة التركية أن ننسى وجودهم".
ويؤكد فيسك على قيام الدولة التركية فى ذلك الوقت بالجريمة، وبرغبتها فى القضاء على العرق الأرمينى بشكل خاص، ففى برقية أرسلها طلعت باشا وزير الداخلية التركى فى 15 سبتمبر عام 1915 الى مدير الأمن التركى فى حلب، يقول له فيها: "لقد تم إبلاغك بأن الحكومة قررت القضاء تماما على الأشخاص المعنيين الذين يعيشون فى تركيا.. يجب القضاء على وجودهم، مهما كانت قسوة الإجراءات التى يجب اتخاذها، ولا يجب الأخذ فى الاعتبار لا السن أو الجنس، أو أية اعتبارات إنسانية أخرى."
وينقل فيسك شهادة بوجوس داكيسيان الذى وقف على التل مع فيسك يقص عليه عن كل تلك "الإجراءات المأساوية" التى اتخذت ضد من أطلق عليهم "الأشخاص المعنيين" فقال: "كان الأتراك يأتون بعائلات بأكملها الى التل، لقتلهم، ولمدة أيام عديدة، كانوا يقيدون الجميع فى طابور، الجميع أطفال ورجال ونساء، معظمهم يعانى من المجاعة ومن الأمراض، وأكثرهم عرايا، ثم يدفعونهم من فوق التل الى النهر، ويطلقون الرصاص على واحد منهم فقط، فان جثة هذا الشخص سوف تجذب الأخرين الى قاع النهر ليغرقوا جميعا. لم تكن المسألة تكلف كثيرا، لم تكلف إلا رصاصة واحدة."!!

وتتوالى القصص التى رواها شهود العيان، أو من تبقى منهم، الناجين من الهولوكوست التركى، الأرمن الذين استطاعوا أن يهربوا من المجازر والتقى بهم فيسك فى بيروت فى ملاجئ الأرمن الكفيفين. فقصوا مأساتهم مع القوات التركية التى كانت تقتل وتعذب بلا رحمة، وقصص المواطنين المسلمين الذين كانوا يجازفون بحياتهم، ويعارضون أوامر الحكومة التركية "شبه الفاشية" والحكام الأتراك الشبان، فى قسطنطينية، ويآوون الأرمن فى منازلهم لحمايتهم، وكانوا يعاملون الأطفال الأرمن المسيحيين، مثل أى عضو من أعضاء عائلتهم المسلمة. وفى مدينة دير الزور السورية، كان الحاكم التركى ، على سعاد بيه، رحيما باللاجئين الأرمن، فأقام ملاجئ لأطفالهم، وكان عقابه على ذلك استدعاءه الى تركيا، واستبداله بأخر هو زكى بيه، الذى حول المدينة الى معسكر اعتقال.

الانتقام من المسيحيين الأرمن
كان هدف الحكومة التركية، فى ذلك الوقت من عام 1915 هو القضاء على الشعب المسيحى فى الشرق الأوسط، لأن فى ذلك الوقت كانت تركيا العثمانية فى حرب ضد الحلفاء وادعت أن الأرمن يؤيد أعداء تركيا المسيحيين. وبالفعل كان هناك نحو 200 ألف من الأرمن القادمين من روسيا الأرمينية يحاربون فى جيش القيصر الروسى. وحتى هؤلاء الذين كانوا يخدمون فى الجيش التركى لم يشفع لهم، فقد اتهموا بأنهم كانوا يساعدون أسطول الحلفاء فى البحر المتوسط، رغم انه لم تثبت تلك الاتهامات.
الحقيقة كما يرويها روبرت فيسك، هى أنه ظهرت فى تركيا "حركة الأتراك الشباب" والتى عرفت رسميا باسم "لجنة الاتحاد والتقدم" وقامت بالاستيلاء على السلطة من السلطان عبد الحميد، ومن النظام العثمانى الفاسد. ولكن تلك الحركة التى عرفت فى البداية بإنها حزب ليبرالى أيده الأرمن، كشفت عن إنها حركة قومية عنصرية، تدعو الى سيادة الجنس التركى، وتدعو الى دولة تركية تتحدث اللغة التركية ديانتها الإسلام، وتمتد من أنقرة الى باكو، وهو الحلم الذى تحقق لفترة قصيرة فى عام 1918، ولكن المشروع لم يكتمل، واليوم أصبح غير ممكن جغرافيا، بسبب وجود الدولة الأرمينية التى نشأت بعد سقوط الاتحاد السوفيتى.
فى تلك الفترة، وبعد انتصار الأتراك على الحلفاء فى الدردنيل، توجهت الحكومة التركية بكل قوتها ضد الأرمن، بنفس القسوة والغضب التى مارسها النازيون ضد اليهود فى أوروبا بعد عشرين عام، يساعدهم فى تلك المذابح الأكراد. ولقد اختارت تركيا يوم 24 ابريل من عام 1915، والذى عرف منذ ذلك الحين بيوم إبادة الأرمن، لإلقاء القبض على، وقتل كل المفكرين والمثقفين الأرمن فى قسطنطينية. ثم تبعوا تلك المجزرة بتدمير كامل ومنهجى للعرق الأرمينى فى تركيا. كانت الجثث تلقى فى نهرى، دجلة والفرات، وكان عدد الجثث كبيرا الى حد أنهم شكلوا سدا، مما دفع مياه النهر الى تغيير مسارها.

شهادة العالم
لم تكن عملية الإبادة الأرمينية سرا حتى ينكرها الأتراك اليوم. بل كان شاهدا عليها الأتراك أنفسهم، والألمان وكتبت عنها الصحف فى الولايات المتحدة. فيقول روبرت فيسك أنه أن كانت عملية إبادة الأرمن فى تركيا هى أول "هولوكوست" فى العالم، فانه تم بالطرق النازية، نفس تلك الطرق التى استخدمها النازيون بعد عشرين عام ضد يهود أوروبا. ولقد أكد فيسك أن الألمان كانوا شهودا على المذابح فى تركيا، فقد كان العديد من ضباط جيش قيصر ألمانيا فى تركيا يساعدون البلاد لتنظيم جيشها. ولقد قامت ممرضة ألمانية بالتقاط صورا للمعسكرات الأرمينية، وهى تلك الصور التى تشهد اليوم وتؤكد على ما حدث. وكان الألمان فى تركيا لبناء شبكة السكة الحديد، ورأوا كيف كان يتم حشر أكثر من 90 شخص من الأرمن داخل عربات القطار الخاصة بالماشية، لترحيلهم من منطقتهم. وبنفس تلك الطريقة، كان النازيون الألمان يرحلون يهود أوروبا الى معسكرات الموت. وذلك ليس كل شئ، بل أن ممثل البنك الالمانى فى القسطنطينية، نفس البنك الذى كان يقوم بتمويل مشاريع الترحيل، التقط صورا لقطارات الترحيل وارسلها الى احد مديرين البنك كدليل على "القسوة الوحشية".
وفى الصحافة العالمية، خاصة فى الولايات المتحدة، نقلت أنباء الإبادة بشكل كامل وتم تغطيتها إعلاميا. فقد كانت صحيفة نيويورك تايمز على سبيل المثال، تقوم بتغطية شبه يومية للمذابح والاغتصاب والإبادة التى كان يتعرض لها الأرمن. وظهرت اولى التحقيقات فى هذا الموضوع فى نوفمبر عام 1914. وفى أكتوبر من نفس العام، كان العنوان الرئيسى فى الصفحة: "قصص عن أعمال وحشية ترتكب فى أرمينيا" ، وفى 7 اكتوبر كتبت الصحيفة فى الصفحة الاولى: "800 ألف أرمينى قتل.. عشرة ألاف غرقوا على الفور". ودعت الصحيفة الإدارة الأمريكية، التى لم تكن قد شاركت بعد فى الحرب العالمية الأولى، كما دعت ألمانيا الى وقف تلك المذابح. وظلت الروايات عما حدث عن لسان شهود عيان تنشر فى الصحف الأمريكية واخرى حتى بعد نهاية الحرب العالمية. ويقول فيسك، لم يحدث قبل هذا الوقت أن تمت تغطية عمليات إبادة بهذا الشكل الشامل العام. كان العالم كله يعلم، وكان يصل الى الدبلوماسيون البريطانيون فى الشرق الأوسط معلومات مفصلة عنها، كما كان الدبلوماسيون الأمريكيون يحصلون بشكل دورى على كل التفاصيل التى تخص المذابح.
وفى نفس الوقت، تم تدوين وتسجيل الإبادة الأرمينية فى العديد من الخطابات واليوميات التى كتبها الأوروبيون الذين جاءوا الى منطقة شمال سوريا وجنوب تركيا العثمانية. ونقل فيسك شهادات كل هؤلاء الذين كتبوا وعرفوا، مثل سيريل بارتر، رجل أعمال بريطانى قامت السلطات التركية بنقله من العراق الى حلب، بسبب تقاريره تلك.

النازيون ينقلون الهولوكوست
كتب ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق فى فترة الحرب العالمية الثانية، فى تقرير عن بشاعة الحرب التركية، يقول: "مذابح تعرض لها عدد غير معروف من الأرمن، رجال ونساء وأطفال، بلا وسيلة للدفاع عن أنفسهم، حيث تم تدمير مقاطعات كاملة فى عملية هولوكوست إدارية واحدة، لم يكن من الممكن إصلاحها إنسانيا". وقال: "ليس هناك أدنى شك فى أن هذه الجريمة تم التخطيط لها وتنفيذها لأهداف سياسية".
وفى نفس الوقت، أشار روبرت فيسك الى وجود مصلحة لأوروبيين آخرين وجدوا فى الهولوكوست التركى ضد الأرمن تجربة مفيدة لأوروبا الجديدة القاسية. من بين هؤلاء، فرانز فون بابن، القائد العام فى الجيش التركى الرابع خلال الحرب العالمية الأولى، الذى تولى منصب نائب مستشار هتلر فى عام 1933، ثم سفيرا للرايخ الثالث فى تركيا خلال الحرب العالمية الثانية. أما الشخصية الألمانية الثانية التى كانت على علم بكل تفاصيل إبادة الأرمن، فقد كان الجنرال هانس فون سيكت، الذى عمل قائدا للقيادة العامة العثمانية فى عام 1917. وقام بوضع أسس الجيش الألمانى فى العشرينات وكرمه هتلر فى عام 1936 بجنازة رسمية كبيرة بعد وفاته. أما الشاب الألمانى، رودولف هوس، فقد انضم الى القوات الألمانية فى تركيا، وفى عام 1940 عين قائدا لمعسكر اوسفيتش، وأصبح نائب مفتش لكل معسكرات الاعتقال النازية فى عام 1944.
هل كان هتلر على علم بما حدث فى تركيا ضد الأرمن؟ بالتأكيد، نعم. فقد سجلت عدة ملاحظات عن هتلر تؤكد انه كان يعلم عن الإبادة الأرمينية على الأقل منذ عام 1924. ففى هذا الوقت سجلت ملاحظة له عن الأرمن عندما قال أنهم "ضحايا الجبن"، وفى عام 1939، سأل قياداته بسخرية، فيما يتعلق بالبولنديين: "من يتحدث اليوم عن تدمير الأرمن"! بمعنى أن المسئولين عن تلك الضحايا لم ينالوا أبدا عقابهم.
ويوالى فيسك سرده لدور الألمان الذين شهدوا على مذابح الأرمن ولم يحاولوا التدخل أو مساعدة الضحايا.

محاكمات المسئولين فى تركيا
غداة الحرب العالمية الأولى مباشرة، تشكلت المحاكم التركية لمعاقبة الجناة، واعترف النواب الأتراك بارتكاب جرائم ضد البشرية. وقدمت محكمة عسكرية تركية، وثائق حكومية استخدمت كأدلة فى المحكمة. إحدى تلك الوثائق كانت تحمل ختم النازية عليها. وحكمت تلك المحكمة بإعدام شنقا ثلاثة موظفين صغار، أما الثلاثى الأساسى: جمال وانور وطلعت، فقد تم الحكم عليهم غيابيا بالإعدام. بعد سنوات، قتل طلعت باشا، وزير الداخلية، فى برلين بيد رجل أرمينى لقى جميع أفراد عائلته حتفهم فى المذابح.
ولم تستكمل المحاكم التركية محاكمة الجناة. أما الحلفاء الغربيون، الذين تعهدوا بمحاكمة مجرمى الحرب الأتراك الأساسيين، (فقد أطلق الحلفاء تعبير "جرائم حرب" على الإبادة الارمنية)، فلم يهتموا بمتابعة المحاكمة. والنتيجة، كما يقول روبرت فيسك، هى الإنكار المستمر لوقوع عمليات إبادة لشعب كامل هو الشعب الأرمينى.
ويلمح لورد بريس، الذى كانت الوثائق التى قدمها حول الإبادة الأرمينية من أهم الأدلة التى كشفت عن تلك الوقائع، أن هناك سببا أخرا، أكثر من مجرد "إرهاق" الحلفاء بعد الحرب، جعلهم يرفضون إعادة الاعتبار الى الأرمن. ويتساءل لورد بريس: "لماذا، بعد ارتكابها كل تلك المذابح، تعامل الحكومة التركية بهذا الرفق من قبل الحلفاء؟ تظل تلك المواقف غامضة، وتفسيرها قد يكون معروف لديكم، كما هو لدى"، ويستطرد قائلا: "ولكن السر، كما كان يقول هيرودوت عن بعض الأقاصيص التى كان يسمعها من رجال الدين فى مصر، "مقدس" الى حد انه يصعب على الكشف عنه". وأضاف قائلا أن الأرمن أكثر الشعوب التى عانت فى الحرب العالمية الأولى، وتم "التخلى عنهم بشكل قاسى للغاية".
ويتساءل فيسك عن هذا السر المقدس الذى لم يرد لورد بريس الكشف عنه، هل هو مجرد محاولة لتفسير أسباب تردد الحلفاء بعد الحرب؟ أم انه تصور أن كل من بريطانيا وفرنسا أرادتا أن تتحول تركيا لتكون حليفا معهما فى مواجهة الدولة البولشفية الجديدة التى قد تهدد بالاستيلاء على مصادر البترول فى الشرق الأوسط؟
كانت القوات البريطانية أول من وقف ضد البلاشفة فى منطقة القوقاز، حيث "أشتمت رائحة بترول باكو"، كما قال احد المراقبين. واستطاعت تلك القوات الحفاظ لوقت طويل على استقلال جمهورية جورجيا واذربيدجان ودولة أرمينيا الصغيرة. ولكن تلك الدول الثلاثة سقطت فى أيدى الاتحاد السوفيتى عندما انسحبت القوات البريطانية فى عام 1920.

ويتساءل فيسك: "هل يمكن إنكار وقوع عملية إبادة، بعد كل تلك الدلائل، وروايات شهود العيان، والتقارير الدبلوماسية والبرقيات، وعظام وجماجم مليون ونصف المليون من البشر؟ أم هل سيتم نسيانها كما قال هتلر؟ وهل سينسى العالم نصف الحقيقة عن أول عملية إبادة فى القرن العشرين، بينما تستمر العمليات المتوحشة على اوسع نطاق لتدخل القرن الواحد والعشرين؟

الغرب ينكر الهولوكوست الأرمينى
ماذا يقول الجانب التركى؟ كان رد الأتراك على مقالات فيسك الأولى عام 1993 الذى كشف فيها عما رآه على تلال مارجادا غربى الصحراء السورية، اتهامه بالكذب. وقالوا فى تقارير عن تلك المقالات، "حتى لو حدث أن قتل مواطنين أرمن فان ذلك نتيجة للفوضى التى سادت نهاية الفترة العثمانية مع الحرب العالمية الأولى، الفوضى المدنية التى راح ضحيتها العديد من الأتراك، والتى قامت خلالها المليشيات الأرمينية بتأييد روسيا القيصرية. ورفض الأتراك الاعتراف بكل الشواهد والأدلة التى تؤكد ما حدث وقالوا إنها مجرد دعاية. واعتبر البعض الأخر محاولة التحدث عن الإبادة، محاولة لأعادة كتابة التاريخ، وقالوا : "أن أسطورة "الهولوكوست الأرمينى" ظهرت فور نهاية الحرب العالمية الأولى، من اجل أن يحصل الأرمن على جزء من الإمبراطورية العثمانية التى بدأت عملية تقسيمها، مقابل معاناتهم.
وفى عام 1982 عقد مؤتمر عن الهولوكوست فى تل أبيب، وكان يضم بعض المواد عن إبادة الأرمن، ولكن طلبت الحكومة التركية من إسرائيل سحب تلك المواد حتى لا تضر بالعلاقات الإسرائيلية التركية، وطلب شيمون بيريز سحب تلك المحاضرات. ولقد ذهب بيريز الى أبعد من ذلك فى عام 2001 عندما كان فى زيارة رسمية الى أنقرة بصفته وزير الخارجية الإسرائيلية، وقال فى حديث مع وكالة الإنباء التركية "أناضوليا": انه لا يجب الخلط بين الاتهامات الأرمينية والهولوكوست، وقال أن ما حدث لا يشبه فى شئ الهولوكوست، وان ما حدث للأرمن مأساة، ولكنها ليست عملية إبادة. ودعا الى التعامل مع المسألة بحرص شديد حتى لا تشوه حقائق التاريخ. كما أشار فيسك أيضا الى موقف الغرب من الإبادة خاصة موقف صحيفة النيويورك تايمز التى كانت أول من كشف عنها فى عام 1915، إلا إنها تراجعت اليوم وكتبت تشكك فى الأحداث وتقول إنها لازالت موضع نقاش، ونقاش "أكاديمى" فحسب.
وعلى المستوى الأكاديمى فى الولايات المتحدة، تتردد كلمة "نقاش" كلما فتح موضوع الإبادة الأرمنية، حتى لا تتأثر العلاقات الطيبة بين الجانبين الاكاديمى فى الولايات المتحدة وتركيا، فيرفض المفكر برنارد لويس، احد كبار المؤيدين لإسرائيل والمفضل لدى الرئيس جورج بوش، الاعتراف بتعرض الأرمن للإبادة. وفى فرنسا، حيث قدمت الجمعية الوطنية عام 1999 اقتراحا بإصدار قانون يجرم إنكار الإبادة الأرمينية، ثم قدم مجلس الشيوخ فى عام 2000 اقتراح بالاعتراف بالإبادة ضد الأرمن، لم يكن موقف الرئيس الفرنسى جاك شيراك واضحا وحاسما، كما يكون عادة عندما يتحدث عن الإبادة ضد اليهود. واعترضت السفارة التركية وقالت أن هذه المسألة لا يحسمها البرلمان ولكن المؤرخين.
وفى بريطانيا، احتفل تونى بلير رئيس الوزراء بافتتاح متحفا للهولوكوست، الهولوكوست ضد اليهود بالطبع، ورفض إضافة الهولوكوست ضد الأرمن، وقال مسئول بوزارة الداخلية البريطانية، ومسئول عن "وحدة المساواة بين الأعراق" أنه "لا يريد أن يخاطر بأن تضيع الرسالة الحقيقية التى يسعى المتحف لنشرها، أن تم إضافة أحداث تاريخية كثيرة"!!! وقال أن الهدف من الاحتفال بـ "يوم الهولوكوست" هو التأكد من نقل فهم أكبر للقضية، قضية الإبادة، ودعم مجتمع أكثر ديمقراطية وأكثر تسامحا، يحترم الاختلاف ويتحرر من تأثير العنصرية والتمييز. وفى نفس الوقت، صرح مسئولون فى حكومة بلير أكثر من مرة أن على تركيا والأرمن حل معا المشاكل التى تفصلهما.
قد تكون تصريحات بيريز وموقف أصدقاء إسرائيل محاولة منهم، كما قال احد كبار الأساتذة الإسرائيليين، ألا تتأثر العلاقات بين إسرائيل وتركيا، وتركيا مع الغرب، وخاصة بعد أن ألمحت، بل هددت، تركيا باحتمالات أن يكون هناك مشاكل بينهما، كما قامت تركيا بمعاقبة فرنسا تجاريا بعد موقف الجمعية الوطنية. ولكن أيضا هناك سبب أخر، وهو رفض إسرائيل أن يشاركها أحد فى الهولوكوست، تريد احتكار الهولوكوست، حتى يظل الشعب اليهودى هو الشعب الوحيد الذى عانى من الاضطهاد والإبادة، والشعب الوحيد الذى يدفع العالم ثمن تلك المعاناة حتى اليوم.

No comments: