3 Dec 2006

كتب: حق العودة

حلم الدولة الصهيونية الاساسى كان:
الاستيلاء على اراضى وممتلكات الفلسطينيين وتحويلها الى ملكية يهودية
القوانين الدولية تحمى حقوق الفلسطينيين فى العودة الى وطنهم
عودة الفلسطينيين لن يهدد الدولة الإسرائيلية بل سيعطيها الفرصة للوجود الطبيعى فى الشرق الاوسط


فى محاولة جديدة من رئيس وزراء إسرائيل ليبدو أمام الرأى العام العالمى بإنه "يمد يده بالسلام الى الفلسطينيين" مثلما فعل من سبقوه أمثال إيهود باراك وغيره، فى حين إنه يتراجع عن مواقفه السابقة، أعلن إيهود أولمرت انه على استعداد للانسحاب من "بعض" الاراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية، و"التفكير" فى الإفراج عن عدد كبير من المساجين الفلسطينيين بعد عودة الجندى الاسرائيلى المحتجز فى الاراضى الفلسطينية الى بيته!! ولكن بشرط أن يتنازل الفلسطينيون عن "حق العودة". وهو الحق الذى أقرته الأمم المتحدة فى عام 1948، وأكدت عليه مرة أخرى كل القوى العظمى طوال أكثر من خمسين عام، ودعت إليه كل المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.
ولكن إسرائيل ظلت طوال السنوات الماضية ترفض هذا الحق للشعب الفلسطينى وتنكر عليه المطالبة به أكثر من أى شئ أخر، وذلك ليس بسبب التعويضات التى سوف تضطر إسرائيل تقديمها مع عودة اللاجئين الفلسطينيين، سواء إنسانية أو مالية، ولكن أيضا، وبالأخص، لأن حق العودة يعيد الى ذاكرة الإسرائيليين ما يسعون الى نسيانه: وهى الظروف الحقيقية التى نشأت إسرائيل على أساسها، والتى تم، بمقتضاها، إلغاء الدولة الفلسطينية من على الخريطة. تلك الظروف التى تؤكد، بدون أدنى شك، على أن الدولة الإسرائيلية قامت على كذبة كبيرة، وهى أن الأرض كانت بلا شعب، بينما شعبها فى حقيقة الأمر موجود وطرد من وطنه قصرا حتى تستطيع الدولة العبرية الجديدة استقدام يهود العالم مكانهم.
وفى كتاب "حق العودة" الذى صدر فى فرنسا، كشف 14 كاتبا عربيا وفرنسيا فى مقالات منفصلة جمعهم المفكران العربيان فاروق مردم- بيه، السورى الاصل ومدير تحرير "نشرة الدراسات الفلسطينية" التى تصدر فى فرنسا، وإلياس صنبر، الفلسطينى الاصل وعاش فى فرنسا يحاضر فى الجامعات الفرنسية والامريكية واللبنانية عن التاريخ العربى، ومؤسس "نشرة الدراسات الفلسطينية فى عام 1981، حقيقة المشكلة التى يعيشها اللاجئون الفلسطينيون منذ ما يقرب من 60 عام.

فى مقدمة الكتاب يقول المؤرخان، مردم بيه والياس صنبر، أن الهدف منه هو فتح باب الحوار حول أكثر قضية شائكة فى الصراع العربى الإسرائيلي، لأنها القضية التى يعتبرها الرأى العام الاسرائيلى، بل اليهودى، "تهديدا قاتلا" لوجودهم، بينما يعتبرها الفلسطينيون مسألة لا يمكن تجاهلها، سواء فيما يتعلق بتداعياتها المادية أو معانيها الرمزية، ولا يتوقفون عن مطالبة إسرائيل بها.
فان الجانبين يدركان تماما أن "حق العودة" هى المسألة التى ستعيدهما الى الفترة الأساسية فى تاريخهما المشترك: وهى عام 1948، العام الذى شهد مولد دولة إسرائيل واختفاء فلسطين. لذلك فان مجموعة المقالات التى يتشارك فيها الكتاب والمفكرون هى محاولة لطرح الموضوعات التى طالما اعتبرت من المحظورات، خاصة موضوع طرد ونزع الملكية من الفلسطينيين، ومحاولة للتفكير فى حل عادل ودائم لمشكلة اللاجئين.
وقبل تصفح المقالات المختلفة، وضع المؤرخان التوجهات الثلاثة الأساسية لحق العودة التى كانت دائما مهددة بان تمحى: أول تلك التوجهات تتعلق بالحقوق الدولية: فمنذ عام 1948 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراها رقم 194 الذى يسمح " للاجئين الذين يرغبون، العودة الى أوطانهم فى أسرع وقت والحياة فى سلام مع جيرانهم". وفى نفس القرار، تقرر أن هؤلاء الذين لا يرغبون فى العودة يجب أن يحصلوا على تعويضات. وظلت الدول الخمس دائمى العضوية فى مجلس الأمن بالأمم المتحدة، عام بعد عام، يؤكدون على قرار الجمعية العامة، مما جعل قرار العودة مبدأ لا مفر منه حتى ولو أصرت إسرائيل على محاولاتها فى إنكاره. ومن الغريب أن الغرب والولايات المتحدة لم يؤيدوا وجهة نظر إسرائيل فى تلك القضية إلا بعد بدء عملية السلام.
أما التوجه الثانى الذى يحرص المؤرخان على ذكره فهو سياسى. فمنذ توقيع اتفاقية اوسلو للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، واعتراف كل جانب بالجانب الأخر، لم يعد من الممكن اعتبار حق العودة، الذى يصر عليه الفلسطينيون، وكأنه رغبة منهم لتدمير إسرائيل، أو إثارة الاضطراب داخلها، أو التشكيك فى هويتها اليهودية. فمنذ ذلك الحين يجب أن تدرس القضية، من منظور مختلف تماما على أساس الواقع الجديد الذى يقوم على مبدأ تقسيم الاراضى الفلسطينية التاريخية الى دولتين ذات سيادة. ويشير المؤرخان الى أن قيام إسرائيل بإنكار هذا المطلب واعتباره محاولة من الفلسطينيين لإفشال المفاوضات، من شأنه أن يثير المخاوف ويدفع اليمين الاسرائيلى المتطرف الى دفن عملية السلام برمتها.
وأخيرا، من الناحية الرمزية، فان اعتراف إسرائيل بهذا الحق، وهذا الحق فقط، يعد اعترافا أكيدا من جانب الإسرائيليين وتأكيدا على أنهم مدركون تماما للظلم الكبير الذى أوقعوه على الشعب الفلسطينى. أما الآلية التى يمكن من خلالها البدء فى تطبيق عملية العودة، فذلك بلا شك، يعتمد على عقد اتفاق بين الجانبين.

طرد الفلسطينيين من ارضهم
ويرى مردم-بيه وصنبر انه من اجل منع منطقة الشرق الأوسط من الانزلاق نحو الهاوية، والإرهاب والانتقام الأعمى والفوضى العارمة، فانه من المهم إعادة دراسة ملف الصراع العربى الاسرائيلى بكامله، والبدء بما حدث بالفعل فى عام 1948، وهو ما يطلق عليه الفلسطينيون كلمة "النكبة"، ويتناوله الكتاب فى أربع مقالات مختلفة كل من جانب مختلف. فأوضح نور مصالحة أن فكرة "ترحيل" الشعب الفلسطينى نحو الدول العربية هى فكرة مستقرة فى ذهن الصهيونية منذ هرتزل. ويقول نور مصالحة انه فى أغسطس عام 1948 قامت الحكومة الإسرائيلية بتخويل رسميا، ولكن سرا، الى لجنة الترحيل، مهمة التخطيط لتوطين اللاجئين الفلسطينيين فى الدول العربية. ولقد قامت تلك اللجنة بوضع الخطوط العريضة للدعاية الإسرائيلية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، وقامت اللجنة باختلاق الأساطير حول ما حدث فى عام 1948. وفى اكتوبر من نفس العام، قرر أعضاء اللجنة دعم التغيير الديمغرافى للمنطقة عبر مختلف الوسائل: مثل منع عودة اللاجئين الفلسطينيين الى منازلهم وقراهم؛ وتدمير القرى العربية؛ أو السماح لليهود بالاستقرار فى المدن والقرى العربية عن طريق توزيع الاراضى العربية على المستعمرات اليهودية؛ ومن خلال استقدام يهود العراق وسوريا؛ وعن طريق البحث عن وسيلة لاستيعاب اللاجئين الفلسطينيين فى الدول العربية مثل سوريا والعراق ولبنان والضفة الشرقية، والبدء فى حملة دعائية تعمل على إثنائهم عن العودة.
فى الماضى، ومنذ عام 1948، كان الإسرائيليون يروجون لفكرة أن خروج الفلسطينيين من أراضيهم كان بناء على خطة وضعها العرب الذين أعلنوا الحرب على الدولة الإسرائيلية، ولكن الوثائق التاريخية الإسرائيلية التى فتحت مؤخرا، أكدت على كذب تلك المقولة التى قامت لجنة الترحيل التابعة للحكومة الإسرائيلية بإختلاقها وترويجها فى تقريرها الذى صدر فى اكتوبر عام 1948؛ وهو التقرير الذى أصر على منع اللاجئين من العودة الى إسرائيل واقترح على الحكومة تشجيع توطينهم فى الدول العربية التى استضافتهم.
بينما قام وليد الخالدى، كبير الباحثين فى تلك القضية، بتحليل عميق لخطة "داليت" التى وضعتها القوات العسكرية اليهودية قيد التنفيذ منذ أول أبريل عام 1948 من اجل السيطرة على كل فلسطين وإفراغها من شعبها، استعدادا لانسحاب الجيش البريطانى، فى 15 مايو، ودخول الجيوش العربية المتوقع. ويؤكد وليد خالدى كيف قام هو وفريقه بدراسة ما وقع بالفعل فى الفترة من ديسمبر عام 1947 الى 15 مايو عام 1948، وقال أنهم قاموا فى البداية بدراسة النسخة الإسرائيلية لما حدث، ثم قاموا بعد ذلك بتوضيح الأكاذيب التى روجها الإسرائيليون حول قيام الدول العربية بإعطاء أوامرها الى الشعب الفلسطينى عبر الإذاعات، للخروج من أرضه حتى تستطيع القوات العربية الدخول لمحاربة إسرائيل. ويتساءل خالدى أن كان تلك الدعايات صحيحة فيجب أن يكون هناك دليل فى تسجيلات إذاعية محفوظة، ولكن خالدى أكد انه قام بالاستماع الى أرشيف إذاعة البى بى سى البريطانية، فى المتحف البريطانى بلندن، وأكد انه لم يجد أية علامة على وجود تلك النداءات، ولكن، بالعكس، وجد أن المحطات الإذاعية العربية كانت تدعو الشعب الفلسطينى الى البقاء فى أماكنهم، بينما قامت إذاعات المنظمات الإرهابية اليهودية مثل الهاجاناه والايرجون وشترن بشن حربا نفسية مستمرة ضد الشعب المدنى العربى.
فما هى خطة "داليت"؟ أو الخطة "دى"؟ إنها الخطة العامة للعمليات العسكرية التى وضعتها القيادة العليا الصهيونية، فى ابريل وبداية مايو عام 1948، والتى قام الصهاينة بمقتضاها بتنفيذ هجمات متتالية على عدة نقاط فى فلسطين. تلك الهجمات أدت الى تدمير الجاليات العربية الفلسطينية وطرد وإفقار غالبية العرب الفلسطينيين، واستهدفت الخطة من خلال ذلك الى خلق "أمر واقع" يمكن للدولة الإسرائيلية أن تنشأ فى ظله. هذه الخطة لم يعلن عنها إلا مؤخرا فى كتب لمفكرين ومؤرخين يهود مثل جون وديفيد كيمشى فى كتابهما "صدام المصائر"، وفى كتاب نيتانيال لورش، "حد السيف".
أما سلمان ابو سيتا، فقد قدم نقاطا وأرقاما محددة حول عدد المناطق التى تم ترحيل سكانها منها، وعدد الفلسطينيين الذين تم ترحليهم، ومساحة الاراضى التى كانوا يملكونها، وأسباب خروجهم منها. وفى نهاية هذا الجزء يعطى دومينيك فيدال نظرة تحليلية لأعمال "المؤرخين الجدد" الإسرائيليين، حيث أشار بشكل خاص الى الأساطير الثلاثة التى قلبوها رأسا على عقب بالكثير من القسوة: وهى أولا الفرق فى القوة بين الأطراف المتصارعة فى عام 1948، والتى دحضها بنى موريس، احد المؤرخين الجدد الإسرائيليين، فى كتابه "1948 وما بعده" والذى قال فيه أن الخريطة التى تظهر إسرائيل دولة صغيرة وسط محيط من الدول العربية العملاقة، لم تكن تعبر حقيقة فى ذلك الوقت عن حقيقة الفرق فى القوة العسكرية فى المنطقة. فعلى عكس الصورة التى أراد الصهاينة نشرها عن الدولة الضعيفة التى ولدت لتوها، والتى تواجه جيوش عربية ذات العتاد القوى، أكد المؤرخون الجدد على تفوق القوة العسكرية الإسرائيلية سواء فى العتاد أو التدريب أو التنسيق أو الهدف.. بالإضافة الى الدعم السياسى الذى تلقوه من الولايات المتحدة، والدعم العسكرى من الاتحاد السوفيتى، ففى تلك الفترة، ورغم القمع الذى كان يتعرض له اليهود الروس، إلا أن الدولة السوفيتية كانت تمد إسرائيل بالأسلحة وكانت تدافع عنها فى الأمم المتحدة بلا شروط. كما دحض دومينيك فيدال فكرة أن سياسة الدولة الإسرائيلية الوليدة، كانت تدعو الى السلام كما ادعى الحكام الإسرائيليين، وأخيرا، والأهم، دحض نظرية أن الفلسطينيين غادروا أرضهم برغبتهم. ولقد أكد فيدال، حسب الأرشيف الاسرائيلى والذى كشفت التقارير التى وضعتها المخابرات التابعة للهاجاناه، بتاريخ 30 يونية عام 1948، والتى تؤكد أن نحو 391 ألف فلسطينى غادروا الاراضى بسبب الإسرائيليين، "55 % على الأقل من الفلسطينيين الذين غادروا الاراضى غادروها بسبب العمليات التى قام بها الإسرائيليون. وأكد الخبراء الإسرائيليين الى أن 15 % من الفلسطينيين غادروا البلاد بسبب الحرب النفسية التى شنتها الهاجاناه. مما يؤكد على أن 73% من الفلسطينيين غادروا البلاد مدفوعين مباشرة من الإسرائيليين. من هؤلاء 22% غادروا بسبب الخوف، وبسبب ازمة الثقة التى انتشرت بين الشعب الفلسطينيى.أما بالنسبة لدعوة العرب للفلسطينيين بمغادرة البلاد، فذلك لم يؤثر إلا فى 5% من الحالات.

الأرشيف يدين اسرائيل
أما الجزء الثانى من الكتاب، والذى نشر تحت عنوان "الأوضاع القائمة" فيشرح بشكل غاية فى الدقة الملفات الأساسية فى الأرشيفات المختلفة عن اللاجئين، خاصة لدى منظمة غوث اللاجئين، التى تعنى بأوضاع أكثر من أربعة ملايين شخص يعيشون فى معسكرات لاجئين فى الضفة الغربية وغزة والأردن ولبنان وسوريا. فى هذا الجزء يشير الكاتبان سليم تمارى وإليا زريق، على الأهمية البالغة لتلك الوثائق والتى يصل عددها الى نحو 80 مليون وثيقة. أما المقال الذى كتبه جلال الحسينى فهو معنى بالمكتب نفسه الذى تجاوزت مهامه المساعدات الإنسانية، والذى وجد نفسه يقوم بمهمة الضامن الدولى لحق العودة، أو التعويض عن العودة. وحسب يوسف كورباج، فان عدد اللاجئين الفلسطينيين اليوم من خارج أراضى فلسطين التاريخية أى من إسرائيل والاراضى المحتلة، وصل الى 3،5 ملايين شخص من اجمالى 7،7 ملايين فلسطينى، وهى الأرقام التى توصل اليها بعد أن أحصى اولا حجم عدد الفلسطينيين فى الشتات ابتداء من عام 1948، ونسبة النمو السكانى حتى عام 2000، ثم عن طريق دراسة إحصاءات كل دولة أو مجموعة من الدول. ومن جانبها قامت هانا جابر بدراسة التشابه بين معسكرات اللاجئين، رغم توسعهم على اراضى أربع دول، وقامت بتحليل لنموهم الإجتماعى والسياسى والحضرى منذ سنوات تأسيس الدولة الإسرائيلية وحتى تشكيل السلطة الفلسطينية. وأخيرا، قام أسامة رفيق حلبى بشرح ما الذى حدث فى إسرائيل لما أسماه "ممتلكات الغائبين" وهو القانون الذى صدر فى عام 1950، وقام بشرح القوانين التى صدرت فى إسرائيل والتى أقرت بمصادرة الاراضى العربية وتحويل ممتلكاتهم الى "الشعب اليهودى". فقال اسامة حلبى كيف قامت الدولة الإسرائيلية باحتلال مناطق كانت فى البداية "الدولة العربية" مثل مدن اللد والرملة والخليل الغربية ويافا. وكيف تجاوزت أهدافها إنشاء وطن قومى يهودى تعترف به الأمم المتحدة، التى تقبل الدولة الجديدة التى تقع داخل حدود الوطن القومى الفلسطينى، عضوا مستقلا ذى سيادة فى المجتمع الدولى، تدعمها القوانين الدولية. ولكن ذلك كان مجرد جزء من الحلم الأكبر للدولة اليهودية، أما الحلم الثانى والأهم فهو استيلاء اليهود على الاراضى والممتلكات العينية التى توجد داخل حدود الدولة الجديدة، وتحويلها كلها أو جزء منها الى ملكية الشعب اليهودى، وذلك من خلال القوانين التى قامت تلك الدولة بإصدارها، وبناء على نظم تشريعية وضعتها لهذا الهدف.
من بين تلك القوانين يطرح اسامة حلبى قانون "الأولوية للمنظمة الصهيونية العالمية" و"الوكالة اليهودية من اجل ارض إسرائيل" الذى صدر فى عام 1953، وكذلك قانون "كيرين كايميت لى-إسرائيل" لعام 1953 أيضا. القانون الأول يقر فى المادة الرابعة منه على اعتراف من الدولة على أن المنظمة الصهيونية والوكالة اليهودية هما "مؤسستان مؤهلتان للعمل فى إسرائيل من اجل تنمية البلاد وسكانها، ومساعدة المهاجرين العائدين من الشتات على الاستقرار، وتركيز أنشطة المنظمات والمعاهد اليهودية الأخرى التى تعمل فى هذه المجالات. أما القانون الثانى، فهو يسمح للجمعية كيرين كايميت-لى إسرائيل والمسجلة فى بريطانيا وتعمل فى إسرائيل كجمعية أجنبية، أن تصبح إسرائيلية، وبذلك تستطيع أن تمارس نشاطها بشكل دائم فى البلاد. هذه الجمعية تنص لائحتها على أن من بين الأهداف التى من اجلها نشأت، هى شراء الاراضى والمبانى أو امتلاكها بأى وسيلة أخرى، وذلك فى كل منطقة تتبع سلطة الحكومة الإسرائيلية، بهدف السماح لليهود بالاستقرار فى تلك المناطق، أو تأجير تلك الممتلكات، بشرط ألا يقوم المستأجر بإعادة تأجيرهم. وتنص اللائحة أيضا انه فى حالة حل الجمعية فان تلك الممتلكات تصبح ملكية الحكومة الإسرائيلية.

القانون يدعم العودة
فى الجزء الثالث والاخير، تشرح مونيك شوميلييه-جيندرو حق العودة من ثلاث وجهات نظر، التاريخية والسياسية والقانونية. فان مطلب الفلسطينيين الذى ترفضه إسرائيل وتمنع عودة اللاجئين، هو مطلب تسانده القوانين الدولية كلها، فتلك القوانين هى الأساس الذى تقوم عليه الممارسة الفردية للحقوق التى تضمنها ميثاق حقوق الإنسان، لعام 1948، فى مادته رقم 13، والذى يقر بحق كل شخص فى حق الانتقال بحرية واختيار مقر سكنه فى داخل الدولة. وحق كل شخص فى مغادرة البلاد، بما فيها بلاده. كما تقوم على الممارسة الجماعية حسب القانون القومى الخاص بحق الشعوب فى تقرير مصيرهم. هذه القوانين العامة، تكملها قوانين خاصة لها علاقة بالصراع الذى هم ضحيته، والتى تؤكد الاعتراف بحقوقهم. وتشرح شوميلييه-جيندرو بوضوح ضرورة القيام بدراسة للواقع حتى يمكن تحديد آليات تطبيق القوانين الدولية. وعندما دعا الرئيس الامريكى السابق كلينتون الشعب الفلسطينى الى التضحية والتخلى عن حقهم فى العودة الى أراضيهم، رد عليه ادوارد سعيد، المفكر الفلسطينى الكبير، بقوله: "يبدو لى انه من غير اللائق أن يقوم الرئيس كلينتون بشن حربا، يقود فيها كل الدول الأعضاء فى حلف الاطلنطى، ودمر فيها الصرب باسم حق عودة الألبان الى كوسوفا، ثم يطلب من الفلسطينيين أن يتخلوا عن حقهم هم فى العودة"؛
من الناحية السياسية تطرح إسرائيل الوضع الأمنى كسبب لمنع عودة الفلسطينيين، ولكن هذه الفكرة ما هى فى حقيقة الأمر إلا تعبيرا عن الخوف الذى هو جزء من الايديولوجية الإسرائيلية الذى يمنع الشعب الاسرائيلى من أن يحقق سلاما حقيقيا. ولأنهم يقومون بقمع الشعب الفلسطينى منذ أكثر من 58 عاما، وينكرون حقوقهم، ويفرضون عليهم نظاما عسكريا قاسيا، يعانى الإسرائيليون من العمليات العنيفة التى يقوم بها الفلسطينيين دفاعا عن أنفسهم. ولكن إذا قرر الإسرائيليون إقامة السلام، وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم، فان إسرائيل لن تعيش فى خطر بعد ذلك.
ثم قام مايكل فيشباخ، الخبير الأكثر معرفة بالملفات فى الوقت الحالى، بتناول قضية التعويضات، بعد أن درس تجربة لجنة المصالحة من اجل فلسطين التابعة للأمم المتحدة، وهى اللجنة التى نشأت بقرار الجمعية العامة رقم 194 الشهير، واعطى لمحة عن كل تلك الأرشيفات التى تضم شهادات محددة عن الممتلكات المفقودة لأكثر من 750 ألف فلسطينى. أما حول الأوضاع السكانية التى يمكن أن تنتج عن تطبيق قرار حق العودة، كتب فيليب فارجيس ثلاث سيناريوهات محتملة: العودة الرمزية، والعودة داخل حدود الدولة الفلسطينية، والعودة الى إسرائيل. ولقد قدم فيليب فارجيس الخرائط التى تشرح وجهة نظره، والتى سمحت بان نستخرج منها نتائج مختلفة عن تلك الموجودة حاليا. وفى النهاية أصر الياس صنبر على ضرورة التفريق بين الحق فى العودة، وبين التفاوض حول آليات التطبيق. ويرى أن التقدم الذى حدث خلال مفاوضات طابا، التى جرت فى يناير عام 2001، هو دليل على أنه من الممكن التوصل الى حل من خلال المفاوضات، بشرط أن يكون الطرفان على استعداد للوصول الى النهاية.

ويؤكد فاروق مردم- بيه والياس صنبر أن الهدف من الكتاب ليس فقط الدفاع عن ملف اللاجئين الفلسطينيين، الذى لا يختلف عليه أحد، ولكنه يقوم فى نفس الوقت بتوجيه رسالة مؤداها أن اعتراف إسرائيل بحق العودة لن يهدد مستقبلها، بل بالعكس سوف يعطيها الفرصة لان يكون لها وجود طبيعى فى الشرق الأوسط.

No comments: