21 Dec 2006

تأكيد السلاح النووى الاسرائيلى.. غضب فى الداخل وإحراج فى الخارج


أثارت تصريحات أيهود اولمرت رئيس وزراء إسرائيل غير المقصودة، حول امتلاك إسرائيل للسلاح النووى موجة من الانتقادات فى الداخل، ودهشة وإحراج فى الخارج.
ففى حديث للتليفزيون الألمانى، "أخطأ" إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، وقال ردا على سؤال من الصحفى حول السلاح النووى الإيرانى: "أن إيران تهدد علنا وبوضوح وبلا مواربة، إزالة إسرائيل من على الخريطة. هل تقول أنهم عندما يأملون فى الحصول على السلاح النووى، يقع ذلك على نفس مستوى الدول الأخرى، مثل أمريكا وفرنسا وإسرائيل وروسيا؟" فعندما ذكر إسرائيل مع الدول النووية الكبرى الأخرى أكد أولمرت ضمنيا ولأول مرة منذ أكثر من خمسين عام، عن امتلاك إسرائيل للسلاح النووى. وفى نفس الوقت، ذكر روبرت جيتس، المرشح لتولى منصب وزير الدفاع خلفا لدونالد رامسفيلد، قبل أسبوع أن إسرائيل احدى القوى النووية فى المنطقة، مما أثار موجة من الغضب فى إسرائيل ضده.
قال البعض أن تلك العبارة هى زلة لسان من رئيس الوزراء، واعتبرها البعض الأخر تغييرا فى استراتيجية إسرائيل تجاه سلاحها النووى. ورأى البعض الثالث، أن على أولمرت الاستقالة من منصبه لأنه يضع أمن إسرائيل فى خطر، بينما يجد آخرون تصريحات المسئول الاسرائيلى هى من الأمور الطبيعية فى العصر الحالى..
فما هو تاريخ السلاح النووى الإسرائيلى؟ ولماذا لا تؤكد إسرائيل ولا تنفى امتلاكها للقنبلة النووية منذ أكثر من نصف قرن؟ ولماذا تهدد "زلة لسان" أولمرت اليوم أمن البلاد؟ ولماذا تغضب السياسيين فى الداخل؟ ولماذا تحرج بعض الدول فى الخارج؟
لقد أثارت تصريحات أولمرت غضب فى الداخل لأن امتلاك إسرائيل للقنبلة النووية، رغم انه لم يكن سرا لأحد، إلا أنه ظل منذ الخمسينات من القرن الماضى يتأرجح من السرية الى الإنكار الى الغموض ثم اللاشفافية. فمن خلال سياسة "لا إنكار ولا اعتراف" بملكيتها للسلاح النووى أرادت إسرائيل ان تؤثر فى سياسات الدول الأخرى، وخاصة الدول العربية، وفى نفس الوقت لا تتحمل المسئولية التى تقع على عاتق الدولة النووية التى تعلن عن نفسها، ومطالبة الدول لها بالانضمام الى اتفاقية حظر الانتشار النووى.
ولقد ظلت إسرائيل على تلك السياسة منذ أن بدأت الفكرة تراود ديفيد بن جوريون، الذى أصبح فيما بعد أول رئيس وزراء لإسرائيل، منذ عام 1947 حتى قبل إقامة الدولة الإسرائيلية. ولم تتحقق إلا فى الخمسينات عندما تجمعت العناصر الأساسية التى سمحت بتحقيقها، وهى: تحالف ثلاثة رجال هم بن جوريون، رئيس الوزراء الذى تصور ان القوة النووية هى التى ستحل للدولة الجديدة المشكلة الأمنية ووجد مبرر بناءها فى العداء الذى واجهه من الدول العربية، وارنست ديفيد برجمان العالم الكيميائى، الذى قام بوضع التفاصيل العملية للمشروع، ورأس لجنة الطاقة النووية الإسرائيلية التى نشأت فى عام 1952، وشيمون بيريز، الذى كان يتولى منصب مدير عام فى وزارة الدفاع الإسرائيلية، اكبر منصب مدنى فى الوزارة، والذى سعى الى إيجاد الدولة الأوروبية التى يمكن أن تساعدهم فى بناء السلاح النووى. وفى نهاية الخمسينات أصبحت إسرائيل سرا، القوة النووية الوحيدة فى الشرق الأوسط.
من جهة أخرى، أثارت تصريحات أولمرت، التى وصفها البعض بأنها "غير مسئولة" من رجل مسئول، الدهشة والحرج فى الخارج. ومن بين أكثر الدول التى قد تشعر بالحرج هى فرنسا التى أختارها شيمون بيريز فى الخمسينات لتكون الدولة التى تمدهم بالمفاعل والتسهيلات الآخرى التى تحتاجها الدولة العبرية، وذلك رغم ان فرنسا فى ذلك الوقت لم تكن تملك السلاح النووى بعد. وظل الأمر سرا فقد كانت المسألة غير مسبوقة، وتركزت مخاوف فرنسا من أن يؤدى انكشاف السر الى تدمير صورة فرنسا فى العالم، خاصة العالم العربى. ويقول الكاتب الاسرائيلى افنير كوهين فى كتابه "إسرائيل والقنبلة" الذى صدر قبل عدة سنوات، أن الجانب الفرنسى أصر على أن يوقع الجانب الاسرائيلى على وثيقة تنص على أن التعاون ينحصر فى مجال البحث العلمى، وعلى بقاء الوثائق بين البلدين سرا وهو ما حدث حتى الآن.
ولكن رغم أن الأحداث تغيرت، وأوقف الرئيس الأسبق شارل ديجول التعاون النووى مع إسرائيل فى الستينات، إلا ان الإحراج الفرنسى مستمر وهو ما يمنعها من الضغط على إسرائيل من اجل الإعلان صراحة بامتلاكها السلاح النووى، كما إنها لا تستطيع أن تزعم عدم المعرفة حيث إنها الدولة الوحيدة فى الغرب التى تعرف كل تفاصيل بناء المفاعلات. وذلك رغم تصريحات المتحدث الفرنسى باسم الخارجية فى الأسبوع الماضى، الذى أكد أن فرنسا تؤيد ابرام اتفاقية بين كل الدول تمنع تماما كل اختبارات نووية وتؤيد عدم الانتشار النووى، وأكد المتحدث أن ذلك يعنى كل الدول بما فيهم إسرائيل. واعلن المتحدث فى نفس الوقت أن فرنسا تؤيد الاقتراح المصرى بإعلان منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووى، وهو بالنسبة لفرنسا البديل المناسب لانضمام إسرائيل الى اتفاقية حظر الانتشار النووى.
أما الدولة الثانية التى تشعر بالحرج فهى الولايات المتحدة التى لم تشركها إسرائيل فى سرها فى ذلك الوقت، ولم تكشفه الا فى عام 1960 بالصدفة، عندما قام رجل مخابرات امريكى بالتقاط صور من الفضاء لموقع بير شيبا وهو الاسم الذى اعطى لمفاعل ديمونة، عندما كانت الولايات المتحدة تقوم بعملية مراقبة دورية لتدريب اسرائيلى فى صحراء النقب. ولم تفهم الولايات المتحدة فى البداية حسب قول الباحث افنير كوهين فى كتابه، حقيقة ديمونة، إلا بعد عامين. ويقول الباحث الاسرائيلى فى كتابه "إسرائيل والقنبلة" أن رغم علم إدارة ايزنهاور بالمشروع منذ نهاية الخمسينات إلا إنها صمتت ولم تواجهه بأى تصرف، مما يشير الى أن الولايات المتحدة أرادت أن يتم معاملة مفاعل إسرائيل كقضية خاصة وبالكثير من الحذر.
أما الرئيس الامريكى السابق جون كنيدى فكان قلقا من مخاطر الانتشار النووى التى قد تهدد الأمن الامريكى ومصالحه، كما أعرب عن مخاوفه من انتشار عدم الاستقرار فى المنطقة. وكان مصمما على أن تتخلى إسرائيل عن برنامجها النووى. وتوترت العلاقة بين كنيدى واسرائيل.
ويقول الكاتب الاسرائيلى فى كتابه: "في نوفمبر عام‏1963,‏ قتل جون كنيدي‏,‏ واستكمل بناء مفاعل ديمونه في عام‏1966‏ ليكون عاملا غير مباشر لشن الحرب ضد مصر في عام‏1967,‏ ولن يعرف احد أبدا كيف كان سيتغير التاريخ النووي الاسرائيلي ان كان قد عاش الرئيس كنيدي لفتره رئاسيه ثانيه"‏.‏
وأخيرا أدى الإعلان غير المقصود، إن كان بالفعل غير مقصود، الى إحراج العالم العربى الذى ظل يعرف عن يقين أن إسرائيل تملك السلاح النووى، ولكنه لم يواجه المسألة كواقع، ولكن اليوم يجب عليه أن يضع استراتيجية أخرى ويحدد أن كان يريد الضغط لفرض اتفاقية حظر الانتشار واخلاء المنطقة من السلاح النووى؟ أن أن نظل نتعامل مع الموضوع مثل إسرائيل بنوع من "اللا شفافية"؟

No comments: