3 Dec 2006

اغتيال الجميل.. حلقة فى سلسلة من الاغتيالات

جاءت عملية اغتيال بيير الجميل حلقة فى سلسلة لن تنتهى الآن، من الاغتيالات السياسية فى الشرق الأوسط، سواء فى الاراضى الفلسطينية او فى لبنان التى شهدت على مدى السنوات الماضية خمس عمليات اغتيال لشخصيات سياسية وفكرية وصحفية، ومحاولات لم تنجح استهدفت البعض الأخر. وتوالت بسرعة الاتهامات ضد سوريا وحزب الله، كما حدث فى وقت اغتيال رفيق الحريرى رئيس الوزراء الأسبق، عندما وجهت إسرائيل والغرب المتمثل فى فرنسا والولايات المتحدة، إتهامات وإدانات الى سوريا بعد الاغتيال بساعات قليلة، وقبل أى تحقيق أو محاكمة.
ولكن المهم الآن وقبل التحقيق، ليس معرفة من الفاعل، ولكن من المستفيد؟ من المستفيد الأكبر فى إشعال الفتنة مرة أخرى فى دولة مثل لبنان، التى عرفت على مدى تاريخها بالتوازن والتعايش الثقافى والدينى، والتى طالما كانت نموذجا فى الشرق الأوسط للحوار بين الحضارات؟ ومن المستفيد فى هذا التوقيت بالذات أن تعود سوريا لتكون فى عين العاصفة بعد أن ألمحت واشنطن الى إمكانية إجراء حوار مع سوريا وإيران لحل أزمة العراق؟

تتراوح التحاليل السياسية فى الخارج ما بين إدانة سوريا وحزب الله، وبين إدانة إسرائيل وواشنطن. فيرى بعض المحللين السياسيين، أن سوريا هى أكثر الأطراف استفادة من عودة الإضطراب الى لبنان، لأنها تسعى للانتقام من إجبارها على الانسحاب منها بعد أكثر من 30 عام من الوجود العسكرى فيها. ورغم خروجها العسكرى من لبنان، إلا أن المصادر تؤكد أنه لازال لها وجود مخابراتى قوى فى لبنان، يقوم بمثل تلك المهام.
ولكن من ناحية أخرى يرى البعض الأخر أن عملية الاغتيال هى امتداد للحرب التى شنتها إسرائيل ضد الجنوب اللبنانى فى الصيف الماضى، والتى راح ضحيتها 1300 مواطن لبنانى، وهى محاولة جديدة للانتقام من حزب الله الذى أعلن انتصاره على الجيش الاسرائيلى الذى اعتبر نفسه لا يقهر؛ كما يرى المحللون أن الاغتيال هو محاولة أخرى لإضعاف البلد الذى يمثل الجناح الغربى لإيران.
يرى البعض الأخر من المحللين السياسيين، عملية الاغتيال كمحاولة تستهدف سوريا أيضا، حيث انه من المؤكد أن الأنظار ستتجه اليها وسوف تتهم فى تلك العملية، كما اتهمت فى عملية اغتيال الحريرى، كأمر مسلم به.
أن من الواضح أن اغتيال بيير الجميل جاء فى وقت بالغ الحساسية، فقد جاءت العملية وقت الاحتفال باستقلال لبنان، وقبل يوم من قرار تحويل جريمة مقتل الحريرى الى محكمة دولية، للتغطية على القرار ولفت الانتباه الى جريمة أخرى.
كما جاء فى وقت كانت العلاقات بين إسرائيل وفرنسا قد بدأت تشهد اضطرابا عنيفا بسبب استمرار قيام إسرائيل بعمليات تحليق جوى فوق لبنان وفوق القوات الفرنسية التابعة للقوات الدولية على الحدود، فى انتهاك واضح لقرارات وقف إطلاق النار، ورغم تحذير القوات الفرنسية التى أعلنت انه كادت أن تقع اشتباكات بين القوتين. فجاء الاغتيال ليعيد فرنسا الى مربع إسرائيل والولايات المتحدة الحلفاء الطبيعيين لديها ضد سوريا وحزب الله.
وأخيرا، جاءت العملية بعد يوم من عودة العلاقات بين العراق وسوريا، غداة زيارة وزير الخارجية السورى للعراق فى محاولة لرأب صدع العلاقات بعد 25 عاما من الاضطرابات المستمرة. وفى نفس الوقت دعت إيران كل من سوريا والعراق الى لقاء ثلاثى فى طهران، وهو تحالف جديد من شأنه أن يثير مخاوف عميقة من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل.
فى تلك الظروف، لن تحاول سوريا إفشال خططها فى المنطقة بالقيام بعملية اغتيال يكون لها صدى "إعلامى" دولى، مثل اغتيال شخصية سياسية لبنانية مثل بيير الجميل الذى ارتبط اسمه بتاريخ البلاد، بدأ من جده بيير الجميل الذى اسس حزب الكتائب وعقد اتفاقا مع إسرائيل رغم انه تحالف "فرض عليه"، ثم عمه بشير الذى اغتيل بعد انتخابه رئيسا للبنان واتهامه بالتحالف مع إسرائيل، ثم والده أمين الذى تولى الرئاسة خلفا لشقيقه. كما لن يحاول حزب الله، الذى ارتبط اسمه بسوريا، والذى تحول الى بطل عسكرى وقوة سياسية بعد حربه ضد إسرائيل ومنعها من تنفيذ خطتها لاحتلال الجنوب اللبنانى والاستيلاء على مياه نهر الليطانى، أن يضيع انتصاره هذا فى عملية من شأنها أن تثير حربا أهلية جديدة يكون هو أول الخاسرين فيها.
أما بالنسبة للعراق، فان اتهام سوريا بالاغتيال سوف يفشل أية محاولة للتقارب بين الدولتين، والذى تم بهدف وقف حمامات الدم التى تشهدها العراق منذ انتهاء "المعارك" كما تطلق عليها امريكا. واستمرار الحرب فى العراق، وتحولها الى حرب أهلية دموية، هى أفضل سيناريو بالنسبة لإسرائيل التى قال رئيس وزراءها ايهود اولمرت فى زيارته الاخيرة للولايات المتحدة، غداة هزيمة الحزب الجمهورى فى انتخابات الكونجرس، انه يساند الرئيس بوش لأنه "يعلم أن العراق بدون صدام حسين أفضل كثيرا لأمن إسرائيل.." ويعمل أيضا على إفشال مبادرة جيمس بيكر وزير الخارجية الأسبق، الذى يسعى لإعطاء واشنطن فرصة لخروج كريم من العراق.
فى نفس الوقت، يعلم أولمرت أن استمرار عمليات الاغتيال فى لبنان سيبقى على خريطة الشرق الأوسط الجديد حية، وهى الخريطة الى تستهدف تفتيت الدول الكبرى فى المنطقة وتحويلها الى مناطق مذهبية ودينية، مثل قيام دولة شيعية واخرى سنية وثالثة كردية ورابعة قبطية وخامسة مسيحية وسادسة درزية وسادسة...، ووسط تلك الخريطة المذهبية سيكون من الطبيعى أن توجد دولة يهودية، ولكن هى التى سيكون لها اليد العليا اقتصاديا وعسكريا وسياسيا فى الشرق الأوسط الكبير. فترى من المستفيد الأكبر، وربما الوحيد، فى عملية اغتيال بيير الجميل؟

No comments: